الذهب، فصبَّه في حِجْره، ومضى، فاشتدَّ فرحُه به، فلم يحمل ما ورد عليه من الفرح، فقضى مكانه، فعاد الأمير من شأنه، فوجد الرجل ميِّتًا، والصَّبيُّ يبكي عند رأسه، فقال: منْ قتله؟ فقال: مرَّ بنا رجلٌ ــ لا جزاه الله خيرًا ــ فصبَّ في حِجْر أبي شيئًا، فقتله مكانه، فقال الأمير: صدقَ، نحنُ قتلناه! أتاه الغنى وهلةً واحدة، فعجز عن احتماله، فقتله، ولو أعطينْاه ذلك بالتدريج لم يقتلْه، فحرص على الصَّبي أن يأخذ الذهب فأبى، وقال: والله لا أُمسك شيئًا قتل أبي!
والمقصودُ أنَّ السُّكْرَ يُوجب اللَّذة، ويمنعُ العلم، فمنه السُّكْرُ بالأطعمة [٥٧ ب] والأشربة، فإنَّ صاحبَها يحصل له لذَّةٌ وسرورٌ بها، يحملُه على تناوُلها، لأنها تغيِّب عنه عقله، فتغيِّب عنه الهموم والغموم، والأحزان تلك الساعة، ولكن يغْلَطُ في ذلك، فإنَّها لا تزولُ، ولكن تتوارى، فإذا صحا عادت أعظم ما كانت وأوفرَه، فيدعُوه عَوْدُها إلى العَوْد، كما قال الشاعر (١):
وكأْسٍ شربتُ على لذَّةٍ ... وأُخرى تَداوَيتُ مِنْها بِها
ومن النَّاس من يقصدُ بها منفعة البدن، وهو غالطٌ، فإنَّه يترتب عليها من المضرَّة المتولِّدة عن السُّكْر ما هو أعظمُ من تلك المنفعة بكثير، واللَّذَّة الحاصلةُ بذكر الله والصَّلاة عاجلًا وآجلًا أعظمُ، وأبقى، وأدفع