وطريقًا مع التوسُّع فيه غاية التوسُّع بما لا ريبَ في تحريمه؟
ونظيرُ هذا إعطاء النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - المؤلفة قلوبهم من الزكاة والغنيمة؛ لضعف قلوبهم عن قلوب الرَّاسخين في الإيمان من أصحابه، ولهذا أعطى هؤلاء، ومنع هؤلاء، وقال: أكِلُهُم إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغَنَاءِ والخير.
ونظير هذا: مزاحُه - صلى الله عليه وسلم - مع من كان يمزح معه من الأعراب، والصبيان، والنساء؛ تطييبًا لقلوبهم، واستجلابًا لإيمانهم، وتفريحًا لهم. وفي مراسيل الشَّعبيِّ: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مرَّ على أصحاب الدِّرَكْلَة فقال:«خذوا يا بني أرفدة حتَّى تعلمَ الْيَهُودُ والنَّصَارى [٦٢ أ] أنَّ في دِيننا فُسْحةً». ذكره أبو عُبيد (١)، وقال: الدِّركلة: لعبة العجم.
فالنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يبذُل للنفوس من الأموال والمنافع ما يتألَّفُها به على الحقِّ المأْمور به، ويكون المبذول ممَّا يلتذُّ به الآخذ، ويحبُّه، لأنَّ ذلك وسيلةٌ إلى غيره، ولا يفعل ذلك مع من لا يحتاج إليه، كالمهاجرين، والأنصار، بل يبذلُ لهم أنواعًا أُخر من الإحسان إليهم، والمنافع في دينهم ودنياهم.
ولمَّا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ممَّن لا يحبُّ هذا الباطل ولا سماعه، ولا يحتاج أن يُتَأَلَّف بما يُتألف به غيرُه، وليس مأْمورًا بما
(١) في «غريب الحديث» (١/ ٣٢٧). وأخرجه أحمد (٦/ ١١٦، ٢٣٣) من حديث عائشة، والفقرة الأولى منه عند البخاري (٩٥٠)، ومسلم (٨٩٢) من حديث عائشة.