للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لها، حتى هامتْ وسعتْ على وجهها، ومزَّقت ثيابها، وأفضتْ إلى أمرٍ عظيم. فلما رأى ما صارت إليه عالجَها فلم يَنْجَعْ فيها العلاج، وكانت تدورُ في السِّكَكِ بالليل، وتقول:

الحبُّ أوَّلُ ما يكونُ لَجاجة ... تأْتي به وتسوقُهُ الأقدارُ

حتَّى إذا اقتحم الفتى لُجَجَ الهوى ... جاءتْ أُمورٌ لا تُطاقُ كِبارُ

مَنْ ذا يُطيق كما أُطيق من الهوى ... غلبَ العزاءُ وباحتِ الأسرارُ

قال الخرائطي (١): وأنشدني بعض أصحابنا:

الحبُّ أوَّلهُ شيءٌ يهيمُ به ... قلبُ المحبِّ فيَلْقَى الموتَ كاللَّعِب

يكون مبدؤه منْ نظرةٍ عرَضَتْ ... ومَزْحَةٍ أَشْعَلَتْ في القَلْبِ كاللَّهَبِ

كالنَّارِ مبدؤها من قدْحةٍ فإذا ... تضرَّمتْ أحرقتْ مُسْتَجْمَعَ الحطَب

قالوا: وكيف يُمْدَح أمرٌ يمنع القرار، ويسلُب المنام، ويُوَلِّه العقل، ويُحْدِث الجنون، بل هو نفسه جنون، كما قال بعض الحكماء: الجنون فنون، والعشق فنٌّ من فنونه، كما قال بعضُ العُشَّاق (٢):


(١) «اعتلال القلوب» (ص ٣٢٤ - ٣٢٥). والأبيات في «الواضح المبين» (ص ٥٩)، و «تزيين الأسواق» (١/ ٥٧).
(٢) البيتان بلا نسبة في «اعتلال القلوب» (ص ٣٢٦)، و «ذم الهوى» (ص ٣١٧)، وبهجة المجالس (١/ ٥٥٤). وللمجنون في «ديوانه» (ص ٢٨١)، و «مصارع العشاق» (١/ ١٢٦، ٢/ ١٨١)، و «ديوان الصبابة» (ص ٢٥)، «وتزيين الأسواق» (١/ ١٦٤). وقد تقدم البيتان في أول الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>