للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لك أنْ تأتيني إلى منزلي، فقال للرسول: ولا واحدةً منْ هاتين الخُلَّتين، {إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأنعام/١٥] أخاف نارًا لا يخبو سعيرُها، ولا يَخْمُدُ لهيبُها. فلمَّا أبلغها الرَّسولُ قوله؛ قالت: وأراه مع هذا يخاف الله؟ والله ما أحدٌ أحقَّ بهذا من أحدٍ، وإنَّ العباد فيه لمشتركون، ثم انخلعت من الدُّنيا، وألقت علائقها خلف ظهرها، وجعلت تتعبَّد، وهي مع ذلك تذوبُ، وتنْحلُ حُبًّا للفتى، وشوقًا إليه حتى ماتت منْ ذلك، فكان الفتى يأتي قبرها، فيبكي عنده، ويدعو لها، فغلبته عينُه ذات يوم على قبرها، فرآها في منامه في أحسن منظرٍ، فقال: كيف أنتِ، وما لقيتِ بعدي؟ فقالت:

نعمَ المحبَّةُ يا سُؤْلي محبتُكم ... حبٌّ يقودُ إلى خيرٍ وإحسان

فقال: على ذلك إلى ما صرتِ؟ فقالت:

إلى نعيمٍ وعَيْشٍ لا زوال له ... في جنَّة الخُلْدِ ملكٌ ليس بالفاني

فقال لها: اذكريني هناك، فإني لستُ أنساكِ، فقالت: ولا أنا والله أنساك! ولقد سألتُ مولاي ومولاك أن يجمع بيننا، فأَعِنِّي على ذلك بالاجتهاد، فقال لها: متى أراك؟ قالت: ستأْتينا عنْ قريبٍ، فترانا، فلم يعش الفتى بعد الرؤيا إلا سبع ليالٍ حتى مات.

وذكر الزُّبَيرُ بن بكَّار (١): أنَّ عبد الرحمن بن أبي عمَّار نزل بمكة،


(١) أخرج عنه الخرائطي (ص ٨٠ - ٨١)، وابن الجوزي في ذم الهوى (ص ٢٥٦ - ٢٥٧) مطولًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>