وكان من عُبَّاد أهلها، فسُمِّي القَسَّ من عبادته، فمرَّ يومًا بجارية تغنِّي، فوقف، فسمع غناءها [١٢٣ ب]، فرآه مولاها، فأمره أن يدخل عليها فأبى، فقال: فاقعدْ في مكانٍ تسمع غناءها، ولا تراها، ففعل، فأعجبته، فقال له مولاها: هل لك أن أحوِّلها إليك؟ فامتنع بعض الامتناع، ثم أجابه إلى ذلك، فنظر إليها، فأعجبته، فشُغِفَ بها، وشُغِفتْ به، وعلم بذلك أهل مكَّة، فقالت له ذات يومٍ: أنا والله أحبُّك! فقال: وأنا والله أحبُّك! قالت: فإني والله أحبُّ أنْ أضع فمي على فمِك! قال: وأنا والله أحبّ ذلك! قالت: فما يمنعك؟ فإنَّ الموضع خالٍ. قال لها: ويحك! إنِّي سمعت الله يقول: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}[الزخرف/٦٧] فأنا والله أكره أن تكون خلة ما بيني وبينك في الدُّنيا عداوةً في القيامة، ثم نهض وعيناه تذْرِفان بالدُّموع منْ حبِّها.
وقال عبد الملك بنُ قُريْبٍ (١): قلت لأعرابي: حدثني عنْ ليلتك مع فلانة. قال: نعم، خلوت بها والقمر يُرينيها، فلما غاب أرتْنيه، قلت: فما كان بينكما؟ قال: أقربُ ما أحلَّ الله مِمَّا حرَّم: الإشارة بغير ما بأس، والدُّنُوُّ بغير إمساس، ولعمري لئن كانت الأيام طالت بعدها لقد كانت قصيرةً معها! وحسبُك بالحبِّ:
ما إنْ دعاني الهوى لفاحشةٍ ... إلا نَهاني الحياءُ والكرَمُ
(١) أخرج عنه الخرائطي (ص ٨٦)، وابن الجوزي في ذم الهوى (ص ٢٣٤). وانظر ربيع الأبرار (٤/ ٢١).