للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعودُه؟ فدخلنا عليه وهو يجودُ بنفسه، وما تخيل لي أن الموت يكرِثُه، فنظر إليَّ، ثم قال: يا ابن سهل! ما تقولُ في رجل لم يشرب الخمر قطُّ، ولم يزنِ، ولم يقتل نفسًا، يشهد أن لا إله الا الله؟ قلت: أظنُّه قد نجا، وأرجو له الجنَّة؛ فمن هذا الرجل؟ قال: أنا! قلت: والله ما أحْسِبُك سلمت وأنت تُشبِّبُ منذ عشرين سنة في بُثينة، فقال: لا نالتني شفاعةُ محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة ــ فإني في أوّل يوم منْ أيام الآخرة، وآخرِ يومٍ من أيام الدُّنيا ــ إن كنت وضعتُ يدي عليها لريبةٍ. فما برحنا حتَّى مات.

وقال عوانة بن الحكم (١): كان عبد المطلب لا يسافرُ إلا ومعه ابنُه الحارث، وكان أكبر ولده، وكان شبيهًا به جمالًا وحُسنًا، فأتى اليمن، وكان يُجالس عظيمًا من عُظمائهم، فقال له: لو أمرتَ ابنك هذا يُجالسني، ويُنادمني، ففعل، فعشقت امرأتُه الحارث، فراسلتْه، فأبى عليها، فألحَّتْ عليه، فأخبر بذلك أباه، فلمَّا يئست منه؛ سقته سُمَّ شهرٍ، فارتحل به عبد المطلب حتَّى إذا قدِم مكَّة؛ مات الحارث.

وذكرَها هشام بنُ محمَّد بن السَّائب الكلبيُّ (٢) عن أبيه، وذكر رثاء أبيه له بقصيدته التي منها:

والحارِثُ الفيَّاضُ أكْرَمُ ماجدٍ ... أيَّامَ نازعه الهُمَامُ الكاسا


(١) رواه ابن الجوزي في ذم الهوى (ص ٢١٩).
(٢) رواه ابن الجوزي في ذم الهوى (ص ٢٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>