درهم، فبنى بها، وكانت عنده أحبَّ شيءٍ إليه، فارتحل بها إلى أهله، فإنه لجالسٌ يومًا بفناء مظلَّته وهي إلى جانبه؛ إذا أقبل فِتيةٌ يعتلجون الصراع، فتنفَّست الصُّعداء، ثم أرسلت عينيها بالبُكاء، فقال: ما يبكيك؟ فقالت: ما لي وللشُّيوخ، الناهضين كالفروخ! فقال: ثكلتك أُمك قد تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها! فسارت مثلًا، أي: لا تكون ظئرًا، وكان أول من نطق بها، ثم قال: لرُبَّ غارةٍ شهدتُها، وسبيَّةٍ أردفتُها، وخمرةٍ شربتُها، الحقي بأهلك، فلا حاجة لي فيك، ثم أنشأ يقول:
وعيَّرت أن رأتني لابسًا كبرًا ... وغايةُ النفس بين الموت والكبر
فإن بقيت رأيتِ الشيب راغمةً ... وفي التفرق ما يقضي من العبر
وإن يكن قد علا رأسي وغيَّره ... صرفُ الزَّمان وتقتيرٌ من الشعر [١٥٠ أ]
فقد أروحُ للذَّاتِ الفتى جذلًا ... وهمَّتي لم تشب فاستخبري أثري