للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالنَّفس تجنح نحو الظلم جاهلةً ... والقلبُ منِّي سليمٌ ما يواتيها

والله لو قيل لي تأتي بفاحشةٍ ... وإن عُقباك دنيانا وما فيها

لقلت لا والَّذي أخشى عقوبته ... ولا بأضعافها ما كنتُ آتيها

لولا الحياء لبُحنا بالَّذي كتمت ... بنتُ الفؤادِ وأبدينا تمنِّيها

قال: فبهتُّ، وقلتُ: لا أدري ما أحتال في أمر هذا الرَّجل، وقلت للخادم: لا يأتيك أحدٌ بكتابٍ إلَّا قبضت عليه، حتى تدخله عليَّ، ثمَّ لم أعرف له خبرًا بعد ذلك، فبينا أنا أطوف بالكعبة؛ إذا فتًى قد أقبل نحوي، وجعل يطوف إلى جنبي، ويلاحظني، وقد صار مثل العود، فلمَّا قضيت طوافي؛ خرجت، واتَّبعني، فقال: يا هذا! أتعرفني؟ قلت: لا أنكرك لسوءٍ! قال: أنا صاحب الكتابين، فما تمالكتُ أن قبَّلت رأسه، وبين عينيه، وقلت: بأبي أنت وأمِّي! والله قد شغلت قلبي، وأطلت غمِّي بشدَّة كتمانك لأمرك! فهل لك فيما سألت وطلبت؟ قال: بارك الله لك، وأقرَّ عينك، إنَّما أتيتك أستحلُّك من نظرةٍ كنت نظرتها على غير حكم الكتاب والسنَّة، والهوى داعٍ إلى كلِّ بلاء، [١٧٤ أ] وأستغفر الله العظيم! فقلت: يا حبيبي! أحب أن تصير معي إلى منزلي، فآنس بك، وتجري الحرمة بيني وبينك، قال: ليس إلى ذلك سبيل! فقلت: غفر الله لك ذنبك، وقد وهبتُها لك، ومعها مائة دينار، ولك في كلِّ سنة كذا وكذا! قال: بارك الله لك فيها، فلولا عهودٌ عاهدت الله عليها، وأشياء أكدتُها عليَّ؛ لم يكن في الدنيا شيءٌ أحبُّ إليَّ من هذا الَّذي تعرضه عليَّ، ولكن ليس إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>