فقال: رويدك يا هذه! فوقفت، وعرفته، فقالت: ما حاجتك؟ قال: أذاتُ زوجٍ أنت؟ قالت: نعم! فما تريد؟ قال: لو كان غير هذا؛ لكان لنا رأيٌ، قالت: وما هو؟ قال: عرض بقلبي من أمرك عارضٌ. قالت: وما يمنعك من إنفاذه؟ قال: وتتابعيني على ذلك؟ قالت: نعم! فخلت به في موضع، فلمَّا رأته مُجِدًّا في الَّذي سأل؛ قالت: رويدك يا مسكين! لا تُسقِط جاهك عنده! فانتبه لها، وذهب عنه ما كان يجد، فقال: لا حرمك الله ثواب فعلك! ثمَّ تنحَّى ناحيةً، فقال لنفسه: اختاري إمَّا عمى العين، وإمَّا الجَبَّ، وإمَّا السِّياحة مع الوحوش، فاختارت السياحة مع الوحوش، فكان كذلك إلى أن مات.
وأحبَّ رجل (١) جاريةً من العرب، وكانت ذات عقل وأدب، فما زال يحتال في أمرها حتَّى اجتمع معها في ليلةٍ مظلمة شديدة السَّواد، فحادثها ساعة، ثمَّ دعته نفسه إليها، فقال: يا هذه! قد طال شوقي إليك! قالت: وأنا كذلك! فقال: هذا الليل قد ذهب، والصُّبح قد اقترب، قالت: هكذا تفنى الشهوات، وتنقطع اللَّذَّات! فقال: فما لو دنوتِ منِّي، فقالت: هيهات! أخاف البعد من الله. قال: فما الَّذي دعاك إلى الحضور معي؟ قالت: شِقوتي، وبلائي! قال: فمتى أراك؟ قالت: ما أنساك! وأمَّا الاجتماع معك فما أراه يكون. ثمَّ تولَّت. قال: فاستحييت ممَّا [١٧٨ ب]