العاشر: ألَّا يختار لنفسه أن يكون الحيوان البهيمُ أحسن حالًا منه، فإنَّ الحيوان يميِّز بطبعه بين مواقع ما يضرُّه وما ينفعه، فيؤثر النافع على الضارِّ، والإنسان أُعطي العقل لهذا المعنى، فإذا لم يميِّز به بين ما يضرُّه وما ينفعه، أو عرف ذلك، وآثر ما يضرُّه؛ كان حال الحيوان البهيم أحسنَ منه، ويدُلُّ على ذلك: أنَّ البهيمة تصيب من لذة المطعم، والمشرب، والمنكح ما لا يناله الإنسان مع عيش هنيءٍ خالٍ عن الفكر، والهَمِّ، ولهذا تُساق إلى منحرها، وهي منهمكةٌ على شهواتها؛ لفقدان العلم بالعواقب، والآدمي لا يناله ما يناله الحيوان لقوَّة الفكر الشَّاغل، وضعف الآلة المستعملة، وغير ذلك، فلو كان نيل المشتهى فضيلةً؛ لما بُخِسَ منه حقُّ الآدمي الَّذي هو خلاصة العالم، ووفرَ منه حظُّ البهائم، وفي توفير حظِّ الآدميِّ من العقل، والعلم، والمعرفة عوضٌ عن ذلك.
الحادي عشر: أن يسير بفكره في عواقب الهوى، فيتأمَّل كم أفاتت طاعته من فضيلة، وكم أوقعت في رذيلة، وكم أكلةٍ منعت أكلات، وكم من لذَّة فوَّتت لذَّات، وكم من شهوةٍ كسرت جاهًا، ونكَّست رأسًا، وقبَّحت ذكرًا، وأورثت ذمًّا، وأعقبت ذلًّا، وألزمت عارًا لا يغسله الماء، غير أنَّ عين صاحب الهوى عمياء.
الثاني عشر: أن يتصوَّر العاقلُ انقضاء غرضه ممَّن يهواه، ثمَّ يتصوَّر حالَه بعد انقضاء الوطر، وما فاته، وما حصل له (١).