فعجبت لَهُ كَيفَ ترك لَفْظَة ارجعي وَهُوَ أبشع مَا عيب بِهِ على جرير وَقلت
(أما جرير فجر ثوب الْعَار فِي ... دَعْوَى الضنى وَله دثار غرام)
(إِذْ كذب الدَّعْوَى وَقَالَ لَهَا وَقد ... زارته فِي الْغَلَس ارجعي بِسَلام)
ثمَّ قلت لَعَلَّ الشَّيْخ صَلَاح الدّين إِنَّمَا ترك لَفْظَة الرُّجُوع لنكارتها وَقلت
(إِنِّي لأعجب من جرير وَقَوله ... قولا غَدَوْت بِهِ أنكر حَاله)
(طرقتك صائدة الْفُؤَاد وَلَيْسَ ذَا ... وَقت الزِّيَارَة فاستمع أَقْوَاله)
(وَعذر فلست بِقَادِر وَالله أَن ... أحكي الَّذِي بعد الزِّيَارَة قَالَه)
فَلَمَّا وقف الشَّيْخ صَلَاح الدّين على كَلَامي هَذَا كُله زعم أَنِّي أعترف لَهُ بِحسن النَّقْد وَقَالَ
(أما جرير فَلم يكن ... صبا وَلَكِن يَدعِي)
(أوما ترَاهُ أَتَتْهُ صائدة ... الْفُؤَاد فَلم يعي)
(بل قَالَ جهلا لَيْسَ ذَا ... وَقت الزِّيَارَة فارجعي)
(لَو كنت حَاضر أمره ... قلت ارجعي وَله اصفعي)
قلت وَلَا يخفى أَن هَذِه الاعتراضات كلهَا لفظية طرقت قَائِلهَا وَلم يُحَقّق فَإِن جَرِيرًا لم يقْصد برجوعها إِلَى الشَّفَقَة عَلَيْهَا من الزِّيَارَة فِي غير وَقت الزِّيَارَة فَجَاءَهُ الِاعْتِرَاض من لَفْظَة الرُّجُوع فَقَط كَمَا جَاءَ ابْن بَقِي من لَفْظَة الإبعاد وَرُبمَا أُتِي أَقوام من سوء الْعبارَة
قَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله الْحميدِي أَخْبرنِي أَبُو غَالب مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن سهل النَّحْوِيّ قَالَ حكيت للوزير أبي الْقَاسِم الْحُسَيْن بن عَليّ المغربي قَول أبي الْحسن الْكَرْخِي أوصانا شُيُوخنَا بِطَلَب الْعلم وَقَالُوا لنا اطلبوه واجتهدوا فِيهِ فَلِأَن يذم لكم الزَّمَان أحسن من أَن يذم بكم الزَّمَان