للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٤٥٣٧ - (م) وَقَالَ الْمِنْهَالُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ:

إِنِّي أَجِدُ فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ؟

قَالَ: ﴿فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يتساءلون﴾ /المؤمنون: ١٠١/. ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يتساءلون﴾ /الصافات: ٢٧/. ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ /النساء: ٤٢/. ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ /الأنعام: ٢٣/: فَقَدْ كَتَمُوا فِي هَذِهِ الْآيَةِ؟

وَقَالَ: ﴿أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا - إِلَى قَوْلِهِ - دَحَاهَا﴾ /النازعات: ٢٧ - ٣٠/: فَذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ الْأَرْضِ، ثُمَّ قَالَ: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ - إِلَى قَوْلِهِ - طَائِعِينَ﴾ /٩ - ١١/: فَذَكَرَ فِي هَذِهِ خَلْقَ الْأَرْضِ قَبْلَ السَّمَاءِ؟

⦗١٨١٦⦘

وَقَالَ: ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ /النساء: ٩٦/. ﴿عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ /النساء: ٥٦/.

﴿سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ /النساء: ٥٨/: فَكَأَنَّهُ كَانَ ثُمَّ مَضَى؟

فَقَالَ: ﴿فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ﴾ فِي النَّفْخَةِ الْأُولَى، ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ: ﴿فَصَعِقَ مَنْ فِي السماوات وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ /الزمر: ٦٨/: فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ، ثُمَّ فِي النَّفْخَةِ الْآخِرَةِ: ﴿أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾. ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾: فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِأَهْلِ الْإِخْلَاصِ ذُنُوبَهُمْ، فقال الْمُشْرِكُونَ: تَعَالَوْا نَقُولُ لَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ، فَخُتِمَ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ، فَتَنْطِقُ أَيْدِيهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ عُرِفَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُكْتَمُ حَدِيثًا، وَعِنْدَهُ: ﴿يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الْآيَةَ /النساء: ٤٢/.

وَخَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ، وَدَحْوُهَا: أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى، وَخَلَقَ الْجِبَالَ وَالْجِمَالَ وَالْآكَامَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿دَحَاهَا﴾. وَقَوْلُهُ: ﴿خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ﴾. فَجُعِلَتِ الْأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَخُلِقَتِ السماوات فِي يَوْمَيْنِ.

﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ سَمَّى نَفْسَهُ بذلك، وَذَلِكَ قَوْلُهُ، أَيْ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا إِلَّا أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ، فَلَا يَخْتَلِفْ عَلَيْكَ الْقُرْآنُ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.

قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: حدثنيه يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ

⦗١٨١٧⦘

أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ الْمِنْهَالِ، بِهَذَا.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ /٨/: مَحْسُوبٍ. ﴿أَقْوَاتَهَا﴾ /١٠/: أَرْزَاقَهَا. ﴿فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا﴾ /١٢/: مِمَّا أَمَرَ بِهِ. ﴿نَحِسَاتٍ﴾ /١٦/: مَشَائِيمَ. ﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ﴾ /٢٥/: قَرَنَّاهُمْ بِهِمْ. ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ﴾ /٣٠/: عِنْدَ الْمَوْتِ. ﴿اهْتَزَّتْ﴾ بِالنَّبَاتِ ﴿وَرَبَتْ﴾ /٣٩/: ارْتَفَعَتْ.

وقال غيره: ﴿مِنْ أَكْمَامِهَا﴾ /٤٧/: حِينَ تَطْلُعُ. ﴿لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي﴾ /٥٠/: أَيْ بِعَمَلِي أَنَا مَحْقُوقٌ بِهَذَا. ﴿سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾ /١٠/: قَدَّرَهَا سَوَاءً. ﴿فَهَدَيْنَاهُمْ﴾ /١٧/: دَلَلْنَاهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ،

كَقَوْلِهِ: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ /البلد: ١٠/. وَكَقَوْلِهِ: ﴿هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾ /الإنسان: ٣/: وَالْهُدَى الَّذِي هُوَ الْإِرْشَادُ بِمَنْزِلَةِ أَصْعَدْنَاهُ، من ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ /الأنعام: ٩٠/. ﴿يُوزَعُونَ﴾ /١٩/: يُكَفُّونَ. ﴿مِنْ أَكْمَامِهَا﴾ /٤٧/: قِشْرُ الْكُفُرَّى هِيَ الْكُمُّ. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَيُقَالُ لِلْعِنَبِ إِذَا خَرَجَ أَيْضًا كَافُورٌ وَكُفُرَّى. ﴿وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ /٣٤/: قريب. ﴿مِنْ مَحِيصٍ﴾ /٤٨/: حَاصَ حَادَ. ﴿مِرْيَةٍ﴾ /٥٤/: وَمُرْيَةٌ وَاحِدٌ، أَيِ امْتِرَاءٌ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ /٤٠/: هِيَ وَعِيدٌ.

⦗١٨١٨⦘

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ /٣٤/: الصَّبْرُ عِنْدَ الْغَضَبِ وَالْعَفْوُ عِنْدَ الْإِسَاءَةِ، فَإِذَا فَعَلُوهُ عَصَمَهُمُ اللَّهُ، وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ: ﴿كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾.


(رجل) قيل: هو نافع بن الأزرق، الذي صار بعد ذلك رأس الأزارقة - وهي فرقة من الخوارج - وقد كان يجالس ابن عباس في قلة ويعارضه. (تختلف .. ) تشكل، وتظهر كأنها متعارضة. (فقد كتموا .. ) أي أنهم كانوا مشركين.
(إلى قوله) وتتمتها: رفع ﴿سمكها فسواها. وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها﴾ (رفع .. ) جعل سقفها بعيدا عن الأرض، أو المسافة بينها وبين الأرض بعيدة مديدة. (دحاها) بسطها ومدها، وجعلها صالحة للسكنى والعيش عليها والتقلب في أقطارها. (إلى قوله) وتتمتها: ﴿وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين. وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين. ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين﴾. (أندادا) شركاء، جمع ند وهو المثل أو النظير. (رواسي) جبالا ثوابت، جمع راسية، من رسا الشيء إذا ثبت أصله ورسخ. (بارك فيها) بما يخرج منها من زرع وثمر، وما يعيش عليها من حيوان وما يحتاج إليه. (قدر .. ) قسم أرزاق أهلها ومصالحهم ومعايشهم، وجعل في كل قسم منها ما ليس في الآخر، ليكون التبادل وتقوم التجارة. (سواء .. ) مستوية ومتعادلة لا زيادة فيها ولا نقصان، جوابا لمن سأل: في كم خلقت الأرض والأقوات، وقيل: على قدر حاجة السائلين، وهم جميع البشر. (استوى إلى السماء) توجهت إرادته إلى خلقها. (وهي دخان) قيل: المراد بخار الماء وما هو على صورته. (كرها) ملجآت مقهورات، وانظر أول الباب. (فكأنه .. ) أي فكأن الله تعالى كان متصفا بهذه الصفات في الزمن الماضي ثم تغير عن ذلك. (فقال) أي ابن عباس ، مجيبا للسائل المبتدع، ومفندا له ما التبس عليه، أو ما تتبعه من متشابه القرآن ابتغاء الفتنة. (فصعق) مات،
وانظر الباب (٢٩٩). (في النفخة .. ) أجابه عن المسألة الأولى مبينا أن التساؤل بعد النفخة الثانية، ولكن ليوم القيامة أحوال ومواطن، قبل أن يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، ففي موطن يشغل كل بنفسه ويبرأ من غيره، فلا تساؤل، وفي موطن يتلاوم أهل الباطل، ويتهم بعضهم بعضا بالإفساد والتضليل، فيكون التساؤل، وهكذا. (الآية) وتتمتها: ﴿وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا﴾ أي لا يقدرون على كتمان شيء، لأن جوارحهم تشهد عليهم. (تسوى بهم الأرض) يدفنون ويصيرون فيها فتسوى بهم كما تسوى بالموتى، أو: يتمنون أن لو لم يبعثوا. (الآكام) جمع أكمة، وهي الموضع المرتفع من الأرض كالتل والرابية.
(ممنون) مقطوع أو معدود. (مشائيم) لما فيها من العذاب لهم، جمع مشومة، من الشؤم وهو الشر. (قيضنا) هيأنا وأعددنا. (قرناء) شياطين ملازمين لهم.
(عليهم) على المؤمنين، تبشرهم بما سيلقون من جزاء عند الله تعالى بعد الموت. (اهتزت) تحركت تحريكا شديدا. (أكمامها) جمع كم، وهو الغلاف الذي يغطي الثمر والحب في الشجر والنخل والزرع. (محقوق) مستحق له. (النجدين) مثنى نجد، وهو ما ارتفع من الأرض من تل أو نحوه، ويقال النجد للطريق الواضح، وفسرا بطريقي الخير والشر، لوضوحهما واستبانة أمرهما. (والهدى .. ) يشير إلى أن الهدى: يكون بمعنى الدلالة مطلقا كما في الآيات السابقة، ويكون بمعنى الدلالة الموصلة. (أولئك) إشارة إلى الأنبياء الذين سبق ذكرهم في الآيات قبلها. (فبهداهم) ما جاؤوا به من أصول الدين التي لا اختلاف فيها بين الأنبياء، وما سلكوه واتصفوا به من مكارم الأخلاق الفاضلة. (يكفون) أي يحبس أولهم ليلحق آخرهم، وقيل: معنى (يوزعون) يساقون ويدفعون. (الكفرى) هي الكم، وقد سبق بيانه، والكم بكسر الكاف، وقيل بضمها. (كافور) هو زهر النخيل. (حميم) هو القريب المشفق، لأن له في الإشفاق على قريبه حرارة وحدة. (محيص) محيد ومهرب من عذاب الله ﷿. (واحد) أي من حيث المعنى وهو الامتراء، أي الشك. وقرأ الجمهور بالكسر، وقرأ الحسن البصري
بالضم. (هي .. ) أي قوله: اعملوا أمر تهديد ووعيد، وليس أمر تخيير وتكريم. (عصمهم) حفظهم وحماهم.