[مطلب حديث أوس بن حارثة ونصيحته لابنه مالك وشرح الغريب من ذلك]
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، قَالَ: حَدَّثَنِي عمى، عَنْ أبيه، عَنْ هشام بن محمد الكلبى، عَنْ عبد الرحمن ابن أبى عبس الأنصارى، قَالَ: عاش الأوس بن حارثة دهراً وليس له ولد إلا مالك، وكان لأخيه الخزرج خمسة: عمرو وعوف وجشم والحارث وكعب، فلما حضره الموت قَالَ له قومه: قد كنا نأمرك بالتزوج فِي شبابك فلم تزوج حتى حضرك الموت، فقَالَ الأوس: لم يهلك هالك ترك مثل مالك، وإن كان الخزرج ذا عدد، وليس لمالك ولد، فلعل الذى استخرج العذق من الجريمة، والنار من الوثيمة، أن يجعل لمالك نسلا، ورجالا بسلا.
يا مالك، المنية ولا الدنية، والعتاب قبل العقاب، والتجلد ولا التبلد.
واعلم أن القبر خير من الفقر، وشر شاربٍ المشتف، وأقبح طاعم المقتف، وذهاب البصر، خير من خير من كثير من النظر، ومن كرم الكريم، الدفاع عَنِ الحريم، ومن قل ذل، ومن أمر فل، وخير الغنى القناعة، وشر الفقر الضراعة، والدهر يومان، فيوم لك ويوم عليك، فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فاصبر، فكلاهما سينحسر، فإنما تعز من ترى، ويعزك من لا ترى، ولو كان الموت يشترى لسلم منه أهل الدنيا، ولكن الناس فيه مستوون: الشريف الأبلج، واللئيم المعلهج، والموت المفيت، خير من أن يُقَال لك: هبيت، وكيف بالسلامة، لمن ليست له إقامة، وشر من المصيبة سوء الخلف، وكل مجموع إِلَى تلف، حياك إلهك! قَالَ: فنشر الله من مالكٍ بعدد بنى الخزرج أو نحوهم: قوله: فلعل الذى استخرج العذق من الجريمة.
العذق: النخلة نفسها بلغة أهل الحجاز، والعذق الكباسة.
والجريمة: النواة.
والوثيمة: هى الموثومة المربوطة، يريد به: قدح حوافر الخيل النار من الحجارة.
والعرب تقسم هذا الكلام فتقول: لا والذى أخرج العذق من الجريمة، والنار من الوثيمة.
لا فعلت كذا وكذا.
ومن أيمانهم: لا والذي شقهن خمسا من واحدة، يعنون الأصابع.
ويقولون: لا والذى أخرج قائبةً من قوب، يعنون: فرخاً من بيضة.