فكيف وكل ليس يعدو حمامه ... وما لامرئ عما قضى الله مزحل
فإن تكن الأيام فينا تبدلت ... ببؤسٍ ونعمى والحوادث تفعل
فما لينت منا قناةً صليبةً ... ولا ذللتنا للذي ليس يجمل
ولكن رحلناها نفوسا كريمة ... تحمل ما لا يستطاع فتحمل
وقنا بعزم الصبر منا نفوسنا ... فصحت لنا الأعراض والناس هزل
قَالَ أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ عبد الرحمن، قَالَ عمى: فقمت والله وقد أنسيت أهلي، وهان عَلَى طول الغربة وشظف العيش سروراً بما سمعت، ثم قَالَ لي: يا بني، من لم تكن استفادة الأدب أحب إليه من الأهل والمال لم ينجب
وأنشدنى أَبُو بَكْرٍِ قَالَ: أنشدنى أَبُو عثمان:
إذا ما فقدتم أسود العين كنتم ... كراما وأنتم ما أقام ألائم
أسود العين: جبل، والجبل لا يغيب، يقول: فأنتم لئام أبدا.
وقرأت عليه لعدى بن زيد يصف فرسا:
أحال عليه بالقناة غلامنا ... فأذرع به لخلة الشاة راقعا
أذرع به، أي ما أذرعه، أي ما أسرعه! وقوله: لخلة الشاة راقعاً، أى يلحقها فيرقع ما بينه وبينها من الفرجة حتى لا يكون بينهما فرجة، وحكى عَنْ خلف الأحمر، أنه قَالَ: يعدو الفرس وبين الشاتين خلة، أى فرجة فيدخل بينهما فكأنه رقع الخلة بنفسه لما سار فيها.
[مطلب وصف بعض الأعراب للمطر وشرح غريبه]
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ
، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: سئل أعرابى عَنْ مطر، فقَالَ: استقل سد مع انتشار الطفل، فشصا واحزال، ثم اكفهرت أرجاؤه، واحمومت أرحاؤها، وابذعرت فوارقه، وتضاحكت بوارقه، واستطار وادقه، وارتتقت جوبه، وارتعن هيدبه، وحشكت أخلافه، واستقلت أردافه، وانتشرت أكنافه، فالرعد مرتجس، والبرق مختلس، والماء منبجس، فأترع الغدر، وانتبث الوجر، وخلط الأوعال بالآجال، وقرن الصيران بالرئال، فللأودية هدير، وللشراج خرير، وللتلاع زفير، وحط النبع والعتم، من القلل الشم، إِلَى القيعان الصحم، فلم يبق فِي القلل إلا معصم مجرنثم، أو داحص مجرجم، وذلك من فضل رب العالمين، عَلَى عباده المذنبين