مطلب حديث النسوة اللاتي أشرن عَلَى بنت الملك بالتزوج ووصفن لها محاسن الزوج وشرح غريب ذلك
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا السكن بن سعيد، عَنْ محمد بن عباد، عَنِ ابن الكلبى، عَنْ أبيه، قَالَ: كان قيل من أقيال حمير منع الولد دهراً، ثم ولدت له بنت فبنى لها قصرا منيفا بعيدا من الناس، ووكل بها نساء من بنات الأقيال يخدمنها، ويؤدبنها حتى بلغت مبلغ النساء، فنشأت أحسن منشأ وأتمه فِي عقلها وكمالها، فلما مات أبوها ملكها أهل مخلافها، فاصطنعت النسوة اللواتى ربينها وأحسنت إليهن، وكانت تشاورهن ولا تقطع أمرا دونهن، فقلن لها يوماً: يا بنت الكرام، لو تزوجت لتم لك الملك، فقَالَت: وما الزوج؟ فقَالَت إحداهن: الزوج عز من الشدائد، وفى الخطوب مساعد، إن غضبت عطف، وإن مرضت لطف، قَالَت: نعم الشىء هذا! فقَالَت الثانية: الزوج شعارى حين أصرد، ومتكئي حين أرقد، وأنسى حين أفرد، فقَالَت: إن هذا لمن كمال طيب العيش.
فقَالَت الثالثة: الزوج لما عنانى كاف، ولما شفنى شاف، يكيفني فقد الآلاف، ريقه كالشهد، وعناقه كالخلد، لا يمل قرانه، ولا يخاف حرانه، فقَالَت: أمهلننى أنظر فيما قلتن، فاحتجبت عنهن سبعا ثم دعتهن فقَالَت: قد نظرت فيما قلتن فوجدتنى أملكه رقى، وأبثه باطلي وحقي، فإن كان محمود الخلائق، مأمون البوائق، فقد أدركت بغيتى، وإن كان غير ذلك فقد طالت شقوتى، عَلَى أنه لا ينبغى إلا أن يكون كفئاً كريما يسود عشيرته، ويرب فصيلته، لا أتقنع به عارا فِي حياتى، ولا أرفع به شناراً لقومى بعد وفاتي فعليكنه فابغينه وترفقن فِي الأحياء، فأيتكن أتتنى بما أحب فلها أجزل الحباء، وعلي لها الوفاء، فخرجن فيما وجَّهتُهن له، وكن بنات مقاول ذوات عقل ورأى، فجاءتها إحداهن وهى عمرطة بنت زرعة بن ذى خنفر فقَالَت: قد أصبت البغية، فقَالَت: صفية ولا تسميه.