[مطلب خطبة إسماعيل بن أبي الجهم بيد يدي هشام بن عبد الملك وما وقع بينهما من الحديث وشرح غريب ذلك]
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: قدم وفد عَلَى أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك، وفيهم رجل من قريش يُقَال له: إسماعيل بن أبى الجهم، وكان أكبرهم سنا، وأفضلهم رأيا وحلما، فقام متوكئا عَلَى عصا وقَالَ: يا أمير المؤمنين، إن خطباء قريش قد قَالَت فيك فأطنبت، وأثنت عليك فأحسنت، ووالله ما بلغ قائلهم قدرك، ولا أحصى مثنيهم فضلك، أفتأذن لى فِي الكلام؟ قَالَ: تكلم، قَالَ: أفأوجز أم أطنب؟ قَالَ: بل أوجز، قَالَ: تولاك الله أمير المؤمنين بالحسنى، وزينك بالتقى، وجمع لك خير الآخرة والأولى، إن لى حوائج أفاذكرها؟ قَالَ: نعم، قَالَ: كبرت سني، وضعفت قواى، واشتدت حاجتى، فإن رأي أمير المؤمنين أن يجير كسرى، وينفى فقرى، قَالَ: يا ابن أبى الجهم، ما يجبر كسرك وينفى فقرك؟ قَالَ: ألف دينار وألف دينار وألف دينار وألف قَالَ: هيهات يا بن أبى الجهم! بيت المال لا يحتمل هذا، قَالَ: كأنك آليت يا أمير المؤمنين أن لا تقضى لى حاجةً مقامى هذا، قَالَ: ألف دينار لماذا؟ قَالَ: أقضى بها دينا قد فدحنى حمله، وأرهقنى أهله، قَالَ: نعم المسلك أسلكتها، ديناً قضيت، وأمانةً أديت، قَالَ: وألف دينار لماذا؟ قَالَ: أزوج بها من أدرك من ولدي، فأشد بها عضدي، ويكثر بها عددى، قَالَ: ولا بأس، أغضضت طرفا، وحصنت فرجا، وأمرت نسلا، وألف دينار لماذا؟ قَالَ: أشترى بها أرضاً فأعود بفضلها عَلَى ولدى، وبفضل فضلها عَلَى ذوى قراباتى، قَالَ: ولا بأس، أردت ذخرا، ورجوت أجرا ووصلت رحما، قد أمرنا لك بها، فقَالَ: الله المحمود عَلَى ذلك، وجزراك الله يا أمير المؤمنين والرحم الخير.
فقَالَ هشام: تالله ما رأيت رجلا ألطف فِي سؤال، ولا أرفق فِي مقَالَ من هذا.
هكذا فليكن القرشى.
قَالَ أرهقنى: أعجلنى، ورهقنى: غشينى، يُقَال: رهق فلانا دين يرهقه إذا غشيه، ورهقت الكلاب الصيد إذا غشيته ولحقته، ورهقنى فلان، أي لحقني، ويقَالَ: فلان عطوف عَلَى المرهق، أى عَلَى المدرك، وأرهقت الرجل إذا أدركته، ويقَالَ: هو يعدو الرهقى، وهو أن يسرع حتى يكاد أن يرهق الذى يطلبه.
وفى فلان رهق إذا كان فيه غشيان للمحارم، قَالَ ابن أحمر:
كالكوكب الأزهر انشقت دجنته ... فِي الناس لا رهق فيه ولا بخل