ولكن عبد الله لما حوى الغنى ... وصار له من بين إخوانه مال
رأى خلةً منهم تسد بماله ... فساهمهم حتى استوت فيهم الحال
[مطلب حديث ليلي الأخيلية مع الحجاج وشرح الغريب من ذلك]
وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنِي أبى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أحمد بن عبيد، عَنْ أبى الحسن المدائني، عمن حدثه، عَنْ مولى لعنبسة بن سعيد بن العاصى، قَالَ: كنت أدخل مع عنبسة بن سعيد بن العاصى إذا دخل عَلَى الحجاج، فدخل يوما، فدخلت إليهما، وليس عند الحجاج أحد إلا عنبسة، فأقعدني فجي الحجاج بطبق فيه رطب، فأخذ الخادم منه شيئا فجاءنى به، ثم جىء بطبق آخر حتى كثرت الأطباق.
وجعل لا يأتون بشيء إلا جاءنى منه بشىء، حتى ظننت أن ما بين يدي أكثر مما عندهما، ثم جاء الحاجب فقَالَ: امرأة بالباب؟ فقَالَ له الحجاج: أدخلها، فدخلت، فلما رآها الحجاج طأطأ رأسه حتى ظننت أن ذقنه قد أصاب الأرض، فجاءت حتى قعدت بين يديه، فنظرت فإذا امرأة قد أسنت حسنة الخلق ومعها جاريتان لها، وإذا هى ليلى الأخيلية، فسألها الحجاج عَنْ نسبها فانتسبت لها، فقَالَ له: يا ليلى: ما أتى بك؟ فقَالَت: إخلاف النجوم، وقلة الغيوم، وكلب البرد، وشدة الجهد، وكنت لنا بعد الله الرفد.
فقَالَ لها: صفى لنا الفجاج، فقَالَت: الفجاج مغبرة، والأرض مقشعرة، والمبرك معتل، وذو العيال مختل، والهالك للقل، والناس مسنتون، رحمة الله يرجون، وأصابتنا سنون مجحفة مبلطة، لم تدع لنا هبعاً، ولا ربعا، ولا عافطة ولا نافطة، أذهبت الأموال، ومزقت الرجال، وأهلكت العيال، ثم قَالَت: إنى قلت فِي الأمير قولا، قَالَ: هاتى، فأنشأت تقول: أحجاج لا يفلل سلاحك إنها المنايا بكف الله حيث تراها
أحجاج لا تعطى العصاة مناهم ... ولا الله يعطي للعصاة مناها
إذا هبط الحجاج أرضاً مريضةً ... تتبع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الداء العضال الذى بها ... غلام إذا هز القناة سقاها
سقاها فرواها بشرب سجاله ... دماء رجال حيث مال حشاها