للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنشدنيهما بعض أصحابنا، وقَالَ فِي البيت الأول: هلك مال، وقَالَ فِي الثاني: هلك ميت، وخلق كثير.

وأنشدني بعض أصحابنا لعلي بن العباس الرومي:

خير ما استعصمت به الكف ... عضب ذكرٌ حده أنيث المهز

ما تأملته بعينيك إلا أرعشت ... صفحتاه من غير هز

مثله أفزع الشجاع إِلَى الدرع ... فغالي بها عَلَى كل بز

ما أبالي أصممت شفرتاه ... فِي محزٍّ أم جارتا عَنْ محزّ

مطلب خطبة المأمون الحارثي فِي نادي قومه

وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عثمان، عَنِ التوزي، عَنْ أبي عبيدة، قَالَ: قعد المأمون الحارثي فِي نادي قومه فنظر إِلَى السماء والنجوم ثم أفكر طويلاً ثم قَالَ: أرعوني أسماعكم، وأصغوا إِلَى قلوبهم، يبلغ الوعظ منكم حيث أريد، طمح بالأهواء الأشر، وران عَلَى قلوب الكدر، وطخطخ الجهل النظر، إن فيما نرى لمعتبراً لمن اعتبر، أرضٌ موضوعة، وسماءٌ مرفوعة، وشمس تطلع وتغرب، ونجوم تسري فتعزب، وقمرٌ تطلعه النحور، وتمحقه أدبار الشهور، وعاجزٌ مثرٍ، وحولٌ مكدٍ، وشابٌ مختضر، ويفن قد غبر، وراحلون لا يؤوبون، وموقوفون لا يفرطون، ومطرٌ يرسل بقدر، فيحيي البشر، ويورق الشجر، ويطلع الثمر، وينبت الزهر، وماء يتفجر من الصخر الأير، فيصدع المدر عَنْ أفنان الخضر، فيحيي الأنام، ويشبع السوام، وينمي الأنعام، إن فِي ذلك لأوضح الدلائل عَلَى المدبر المقدر، البارئ المصور.

يأيها العقول النافرة، والقلوب النائرة، أنّى تؤفكون، وعن أي سبيل تعمهون، وفي أي حيرة تهيمون، وإلى أي غاية توفضون، لو كشفت الأغطية عَنِ القلوب، وتجلت الغشاوة عَنِ العيون، لصرح الشك عَنِ اليقين، وأفاق من نشوة الجهالة، من استولت عليه الضلالة: قوله طمح: ارتفع وعلا.

وران قَالَ عبدة بن الطبيب:

أوردته القوم قد ران النعاس بهم ... فقلت إذ نهلوا من جَمّه قيلوا

<<  <  ج: ص:  >  >>