للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مطلب حديث خنافر الحميري مع رئيه شصار ودخوله فِي الإسلام بإرشاد رئية المذكور وشرح الغريب فِي هذه القصة

وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عمى، عَنْ أبيه، عَنِ ابن الكلبى، عَنْ أبيه، قَالَ: كان خنافر بن التوءم الحميرى كاهنا، وكان قد أوتى بسطةً فِي الجسم، وسعةً فِي المال، وكان عاتيا، فلما وفدت وفود اليمن عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وظهر الإسلام، أغار عَلَى إبل لمرادٍ فاكتسحها، وخرج بأهله وماله ولحق بالشحر، فحالف جودان بن يحيى الفرضمى، وكان سيدا منيعا، ونزل بواد من أودية الشجر مخصبا كثير الشجر من الأيك والعرين.

قَالَ خنافر: وكان رئي فِي الجاهلية لا يكاد يتغيب عنى، فلما شاع الإسلام فقدته مدة طويلة وساءنى ذلك، فبينا أنا ليلةً بذلك الوادى نائما إذ هوى العقاب، فقَالَ: خنافر، فقلت شصار؟ فقَالَ: اسمع أقل، قلت: قل أسمع، فقَالَ: عِهِ تغنم، لكل مدةٍ نهاية، وكل ذى أمد إِلَى غاية، قلت: أجل، فقَالَ: كل دولة إِلَى أجل، ثم يتاح لها حول، انتسخت النحل، ورجعت إِلَى حقائقها الملل، إنك سجير موصول، والنصح لك مبذول، وإنى آنست بأرض الشام، نفرا من آل العذام، حكاما عَلَى الحكام، يذبرون ذا رونق من الكلام، ليس بالشعر المؤلف، ولا السجع المتكلف، فاصغيت فزجرت، فعاودت فظلفت، فقلت بم تهينمون، وإلام تعتزون؟ قالوا: خطاب كبار، جاء من عند الملك الجبار، فاسمع يا شصار، عَنْ أصدق الأخبار، وأسلك أوضح الآثار، تنج من أوار النار، فقلت: وما هذا الكلام؟ فقالوا: فرقان بين الكفر والإيمان، رسول من مضر، من أهل المدر، ابتعث فظهر، فجاء بقول قد بهر، وأوضح نهجا قد دثر، فيه مواعظ لمن اعتبر، ومعاذ لمن ازدجر، ألف بالآى الكبر، قلت: ومن هذا المبعوث من مضر؟ قَالَ: أحمد خير البشر، فإن آمنت أعطيت الشبر، وإن خالفت أصليت سقر، فآمنت يا خنافر، وأقبلت إليك أبادر، فجانب كل كافر، وشايع كل مؤمن طاهر، إلا فهو الفراق، لا عَنْ تراق، قلت: من أين أبغى هذا الدين؟ قَالَ: من ذات الإحرين، والنفر اليمانين، أهل الماء والطين، قلت: أوضح، قَالَ: الحق بيثرب ذات النخل، والحرة ذات النعل، فهناك أهل الطول والفضل، والمواساة والبذل، ثم املس عنى.

فبت مذعورا أراعى الصباح، فلما برق لي النور امتطيت راحلتى، وآذنت أعبدى، واحتملت بأهلى حتى وردت الجوف، فرددت الإبل عَلَى أربابها بحولها وسقابها،

<<  <  ج: ص:  >  >>