حديث المرأة التي سكنت البادية قريباً من قبور أهلها
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن دريد، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: دُفعت يوماً فِي تلمسي بالبادية إِلَى وادٍ خلاء لا أنيس به إلا بيتٌ معتنزٌ بفنائه أعنزٌ وقد ظمئت فيممته فسلمت، فإذا عجوز قد برزت كأنها نعامةٌ راخم، فقلت: هل من ماء؟ فقَالَت: أو لبن؟ فقلت: ما كانت بغيتي إلا الماء، فإذا يسر الله اللبن فإني فقير، فقامت إِلَى قعب فأفرغت فيه ماء ونظفت غسله ثم جاءت إِلَى الأعنز فتغبّرتهن حتى احتلبت قراب ملء القعب، ثم أفرغت عليه ماء حتى رغا وطفت ثُمالته كأنها غمامة بيضاء، ثم ناولتني إياه فشربت حتى تحببت رياً، واطمأننت فقلت: إني أراك معتنزة فِي هذا الوادي الموحش والحلة منك قريب، فلو انضممت إِلَى جنابهم فأنست بهم! فقَالَت: يا ابن اخي، إني لآنس بالوحشة، وأستريح إِلَى الوحدة، ويطمئن قلبي إِلَى هذا الوادي الموحش، فأتذكر من عهدت، فكأني أخاطب أعيانهم، وأتراءى أشباحهم، وتتخيل لي أندية رجالهم، وملاعب ولدانهم، ومندى أموالهم، والله يا ابن أخي، لقد رأيت هذا الوادي بشع اللديدين، بأهل أدواح وقباب، ونعمٍ كالهضاب، وخيل كالذئاب، وفتيان كالرماح، يبارون الرياح، ويحمون الصباح، فأحال عليهم الجلاء قماً بغرفةٍ، فأصبحت الآثار دارسة، والمحال طامسة، وكذلك سيرة الدهر فيمن وثق به.
ثم قَالَت: ارم بعينك فِي هذا الملا المتباطن، فنظرت، فإذا قبورٌ نحو أربعين أو خمسين، فقَالَت: ألا ترى تلك الأجداث؟ قلت: نعم! ما انطوت إلا عَلَى أخ أو عَلَى ابن أخ، أو عم أو ابن عم، فأصبحوا قد ألمأت عليهم الأرض، وأنا أترقب ما غالهم، انصرف راشداً رحمك الله: معتنز منفرد.
والراخم: التي تحضن بيضها.
[مطلب أسماء القدح بفتحتين والقعب]
قدح إِلَى الصغر يشبه به الحافر، قَالَ امرؤ القيس:
لها حافر مثل قعب الوليد ... ركّب فيه وظيفٌ عجر
والغمر: القدح الصغير.
والعُسّ: القدح الكبير.
والتبن: أكبر منه.
والصحن: القصير الجدار العريض.
والرفد: القدح العظيم.
والجنبل: القدح العظيم الجشب النحت الذي لم ينقح ولم يسور.