الفرع بعد الأصل، فأفضل الأشياء عند المصائب الصبر، وإنما أهل الدنيا سفرٌ لا يحلّون عَنِ الركاب إلا فِي غيرها، فما أحسن الشكر عَنِ النعم والتسليم عند الغير! فاعتبر بمن قد رأيت من أهل الجزع، هل رد أحداً منهم إِلَى ثقةٍ من درك؟ واعلم أن أعظم من المصيبة سوء الخلف، فأفق والمرجع قريب واعلم أنما ابتلاك المنعم وأخذ منك المعطي، وما ترك أكثر، فإن نسيت الصبر فلا تغفل عَنِ الشكر ما قاله بعض العرب يعزي رجلاً عَلَى أخيه
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سعيد بن هارون الأشناندانى، عَنِ التوزى، عَنْ أبى عبيدة، قَالَ: عزى رجل من العرب رجلاً عَلَى أخيه، فقَالَ: محبوب فائت، وغنم عارض، إن ضيعته فات أيضاً وبقيت حسيراً، أما أخوك فلا أخوك، فلا يذهب بك جزعك فتحط سوددك، وتقلّ ثقة عشيرتك باضطلاعك بالأمور، وفي كثرة الأسى عزاءٌ عَنِ المصائب
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: سمعت عمي، يقول: التهنئة عَلَى آجل الثواب أولى من التعزية عَلَى عاجل المصيبة
اجتماع وفود العرب بباب سلامة ذي فائش ليعزوه فِي ابنه وما قالوه فِي التعزية
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنَا عمى، عَنْ أبيه، عَنِ ابن الكلبي، عَنْ أبيه، قَالَ: نشأ لسلامة ذي فائش ابن كأكمل أبناء المقاول، وكان به مسروراً يرشحه لموضعه، فركب ذات يوم فرساً صعباً فكبا به فوقصه، فجزع عليه أبوه جزعاً شديداً وامتنع من الطعام، واحتجب عَنِ الناس، واجتمعت وفود العرب ببابه ليعزوه، فلامه نصحاؤه في إفراط جزعه، فخرج الى الناس فقام خطباؤهم يؤسونه، وكان في القوم الملبب بن عوف بن سلمة بن عمرو بن سلمة الجعفى، وجعادة بن أفلح بن الحارث، وهو جد الجراح بن عبد الله الحكمى صاحب خراسان، فقام الملبب فقَالَ: أيها الملك، إن الدنيا تجود لتسلب، وتعطى لتأخذ، وتجمع لتشتت، وتحلي لتمر، وتزرع الأحزان فِي القلوب، بما تفجأ به من استرداد الموهوب، وكل مصيبة تخطأتك جلل، ما لم تدن الأجل، وتقطع الأمل، وإن حادثاً ألم بك، فاستبد بأقلك وصفح عَنْ أكثرك لمن أجل النعم عليك وقد تناهت إليك أنباء من رزئ فصبر، وأصيب فاغتفر، اذ كان شوى فيما يرتقب ويحذر، فاستشعر اليأس مما فات اذ كان ارتجاعه ممتنعاً، ومرامه مستصعباً، فلشىء ما ضربت الأسى، وفزع أولو الألباب إِلَى حسن العزاء، وقام جعادة،