للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مطلب ما وقع بين سبيع بن الحارث، وميثم بن مثوب، من المخاصمة بمجلس مرثد الخير، وخطبته فِي شأنهما، وإصلاحه ذات بينهما، وشرح غريب ذلك

وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا السكن بن سعيد الجرموزى، عَنْ محمد بن عباد، عَنِ ابن الكلبى، عَنْ أبيه، قَالَ: كان مرثد الخير بن ينكف بن نوف بن معد يكرب بن مضحى قيلا، وكان حدباً عَلَى عشيرته محباً لصلاحهم، وكان سبيع بن الحارث أخو علس، وعلس هو ذو جدن، وميثم بن مثوب بن ذى رعين تنازعا الشرف حتى تشاحنا وخيف أن يقع بين حييهما شر فيتفانى جذماهما، فبعث إليهما مرثد فأحضرهما ليصلح بينهما، فقَالَ لهما: إن التخبط وامتطاء الهجاج، واستحقاب اللجاج، سيقفكما عَلَى شفا هوةٍ فِي توردها بوار الأصيلة، وانقطاع الوسيلة، فتلافيا أمركما قبل انتكاث العهد، وانحلال العقد، وتشتت الألفة، وتباين السهمة، وأنتما فِي فسحة رافهة، وقدم واطدة، والمودة مثرية، والبقيا معرضة، فقد عرفتم أنباء من كان قبلكم من العرب من عصى النصيح، وخالف الرشيد، وأصغى إِلَى التقاطع، ورأيتم ما آلت إليه عواقب سوء سعيهم، وكيف كان صيور أمورهم، فتلافوا القرحة قبل: تفاقم الثأى، واستفحال الداء، وإعواز الدواء، فإنه إذا سفكت الدماء استحكمت الشحناء، وإذا استحكمت الشحناء تقضبت عرى الإبقاء وشمل البلاء، فقَالَ سبيع: أيها الملك، إن عداوة بنى العلات لا تبرئها الأساة، ولا تشفيها الرقاة، ولا تستقل بها الكفاة، والحسد الكامن، هو الداء الباطن، وقد علم بنو أبينا أنا لهم ردء إذا رهبوا، وغيث إذا أجدبوا، وعضد إذا حاربوا، ومفزع إذا نكبوا، وإنا وإياهم كما قَالَ الأول:

إذا ما علوا قالوا أبونا وأمنا ... وليس لهم عالين أم ولا أب

فقَالَ ميثم: أيها الملك، إن من نفس عَلَى ابن أبيه الزعامة، وجدبه فِي المقامة، واستكثر له قليل الكرامة، كان قرفاً بالملامة، ومؤنباً عَلَى ترك الاستقامة، وإنا والله ما نعتد لهم بيد إلا وقد نالهم منا كفاؤها، ولا نذكر لهم حسنة إلا وقد تطلع منا إليهم جزاؤها، ولا يتفيأ لهم علينا ظل نعمة إلا وقد قوبلوا بشرواها، ونحن بنو فحل مقرم لم تقعد بنا الأمهات ولا بهم، ولم تنزعنا أعراق السوء ولا إياهم، فعلام مط الخدود وخزر العيون، والجخيف والتصعر، والبأو والتكبر؟ ألكثرة عدد، أم لفضل جلد، أم لطول معتقد؟ وإنا وإياهم لكما كما قَالَ الأول:

<<  <  ج: ص:  >  >>