مطلب امتداح أبي العتاهية لعمر بن العلاء وحسد الشعراء له عَلَى ما أعطاه من جائزة
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن خلف، قَالَ: حَدَّثَنَا إسحاق بن محمد النخعي، قَالَ: حَدَّثَنِي محمد بن سهل، قَالَ: حَدَّثَنِي المدائني، قَالَ: امتدح أَبُو العتاهية عمر بن العلاء مولى عمرو ابن حريث صاحب المهدي، فأمر له بسبعين ألف درهم، وأمر من حضره من خدمه وغلمانه أن يخلعوا عليه، فخلعوا عليه حتى لم يقدر عَلَى القيام لما عليه من الثياب، ثم إن جماعة من الشعراء كانوا بباب عمر، فقَالَ بعضهم: يا عجباً للأمير، يعطى أبا العتاهية سبعين ألف درهم! فبلغ ذلك عمر فقَالَ: عَلَى بهم، فأدخلوا عليه، فقَالَ: ما أحسد بعضكم لبعض يا معشر الشعراء! إن أحدكم يأتينا يريد مدحنا فيشبّب فِي قصيدته بصديقته بخمسين بيتاً، فما يبلغنا حتى تذهب لذاذة مدحه ورونق شعره، وقد أتانا أَبُو العتاهية فشبّب ببيتين ثم قَالَ:
إني أمنت من الزمان وريبه ... لما علقت من الأمير حبالا
لو يستطيع الناس من إجلاله ... لحذوا له حرّ الوجوه نعالا يوما
ما كان هذا الجود حتى كنت يا ... عمرا ولو نزول لزالا
إنّ المطايا تشتكيك لأنها ... قطعتك إليك سباسباً ورمالا
فإذا أتين بنا أتين مخفّةً ... وإذا رجعن بنا رجعن ثقالا
فقَالَ له عمر حين مدحه: أقم حتى أنظر فِي أمرك، فأقام أياماً ولم ير شيئاً، وكان عمر ما لا يجيء من وجه فأبطأ عليه، فكتب إليه أَبُو العتاهية:
يا بن العلاء ويا بن القوم مرداس ... إني امتدحتك فِي صحبي وجلاسي
أثني عليك ولي حال تكذبني ... فيما أقول فأستحي من الناس
حتى إذا قيل ما أعطاك من صفد ... طأطأت من سوء حال عندها راسي
فقَالَ عمر لحاجبه: اكفنيه أياماً، فقَالَ له الحاجب كلاماً دفعه به، وقَالَ له: تنتظر، فكتب إليه أَبُو العتاهية:
أصابت علينا جودك العين يا عمر ... فنحن لها نبغي التمائم والنّشر
أصابتك عين فِي سخائك صلبةٌ ويا ... رب عين صلبة تفلق الحجر