لا رأي لحاقن وما تمثل به عَلَى رضي الله عنه فِي هذا المعنى
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الأَنْبَارِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَدِينِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ الْهَاشِمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَهْشَلُ بْنُ دَارِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْحَارِثِ الأَعْوَرِ، قَالَ: سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، عَنْ مَسْأَلَةٍ فَدَخَلَ مُبَادِرًا، ثُمَّ خَرَجَ فِي حِذَاءٍ وَرِدَاءٍ وَهُوَ مُتْبَسِمٌ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّكَ كُنْتَ إِذَا سُئِلْتَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ تَكُونُ فِيهَا كَالسّكَّةِ الْمُحْمَاةِ، قَالَ: إِنِّي كُنْتُ حَاقِنًا وَلا رَأْيَ لِحَاقِنٍ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
إِذَا الْمُشْكِلاتُ تَصَدَّيْنَ لِي ... كَشَفْتُ حَقَائِقَهَا بِالنَّظَرِ
وَإِنْ بَرَقَتْ فِي مَخْيلِ الصَّوَابِ ... عَمْيَاءَ لا يَجْتَلِيهَا الْبَصَرُ
مُقَنَّعَةً بِغُيُوبِ الأُمُورِ ... وَضَعْتُ عَلَيْهَا صَحِيحَ الْفِكْرِ
لِسَانًا كَشَقْشَقَةِ الأَرْحَبِيِّ ... أَوْ كَالْحُسَامِ الْيَمَانِيِّ الذَّكَرْ
وَقَلْبًا إِذَا اسْتَنْطَقَتْهُ الْفُنُونُ ... أَبَرَّ عَلَيْهَا بِوَاهِ دُرَرْ
وَلَسْتُ بِإِمَّعَةٍ فِي الرِّجَالِ ... يُسَائِلُ هَذَا وَذَا مَا الْخَبَرْ
وَلَكِنَّنِي مُذْرِبُ الأَصْغَرَيْنِ ... أُبَيِّنُ مِمَّا مَضَى مَا غَيَرْ
المخيل: السحاب الذي يخال فيه المطر، والشقشقة: ما يخرجه الفحل من فيه عند هياجه، ومنه قيل لخطباء الرجال: شقاشق
أنشدني أَبُو المياس لتميم بن مقبل:
عاد الأذلة فِي دارٍ وكان بها ... هرت الشقاشق ظلاّمون للجزر
وأبرّ: زاد عَلَى ما تستنطقه، والإمعة: الأحمق الذيلا يثبت عَلَى رأي، والمذرب: الحاد، وأصغراه: قلبه ولسانه.
[ما جرى بين عبد الملك بن مروان وأهل سمره من إنشاد كل منهم]
أحسن ما قيل فِي الشعر وإنشاده هو شعر معن بن أوس الذي أوله: وذي رحم قلمت أظفار ضغنه
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حاتم، عَنْ أبى عبيدة، قَالَ: كان عبد الملك بن مروان ذات ليلة فِي سمره مع ولده وأهل بيته وخاصته، فقَالَ لهم: ليقل كل واحد منكم أحسن ما قيل فِي الشعر، وليفضل من رأى تفضيله، فأنشدوا وفضلوا، فقَالَ بعضهم: امرؤ القيس، وقَالَ بعضهم: النابغة،