تفسير قوله تعالى {وكان الله عَلَى كل شيء حسيبا}
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، قَالَ: فِي قوله عز وجل: {وكان الله عَلَى كل شيء حسيباً} أربعة أقوال، يُقَال: عالما، ويقَالَ: مقتدرا، ويقَالَ: كافياً، ويقَالَ: محاسباً، فالذي يقول: كافياً، يحتجّ بقوله جل وعز: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ} [الأنفال: ٦٤] ، أي: كافيك الله، وبقوله عز وجل: {عَطَاءً حِسَابًا} [النبأ: ٣٦] أي كافياً، وبقول الشاعر:
إذا كانت الهيجاء وانشقّت العصا ... فحسبك والضّحّاك سيفٌ مهنّد
أي يكفيك ويكفي الضحاك، وبقول امرئ القيس:
فتملأ بيتنا أقطا وسمنا ... وحسبك من غنىً شبع ورى
أي يكفيك الشّبع والرّيّ، وتقول العرب: أحسبني الشيء يحسبني إحساباً وهو محسبٌ، قَالَ الشاعر:
وإذ ما أرى فِي الناس حسناً يفوقها ... وفيهنّ حسنٌ لو تأملّت محسب
ويقول الآخر:
ونقفى وليد الحيّ إن كان جائعاً ... ونحسبه إن كان ليس بجائع
أي نعطيه حتى يقول: حسبي أي كفاني، وقَالَت الخنساء:
يكّبون العشار لمن أتاهم ... إذا لم تحسب المائة الوليدا
والذي يجعله بمعنى محاسب يحتجّ بقول قيس المجنون:
دعا المحرمون الله يستغفرونه ... بمكة يوماً أن تمحي ذنوبها
وناديت يا رباه أوّل سؤلتي ... لنفسي ليلى ثم أنت حسيبها
فمعناه أنت محاسبها عَلَى ظلمها.
والذي يقول: عالما، يحتج بقول المخبّل السّعدي:
فلا تدخلنّ الدّهر قبرك حوبةً ... يقوم بها يوماً عليك حسيب
أي محاسبك عليها عالم بظالمك والذي قَالَ مقتدراً، لم يحتجّ بشيء: والقولان الأوّلان صحيحان فِي الأشتقاق مع الرواية، والقولان الآخران لا يصحّان فِي الأشتقاق، ألا تراه قَالَ فِي تفسير بيت المخّبل السّعدي: محاسبك عليها عالم بظلمك، فالحسيب فِي بيته المحاسب وهو بمنزلة قول العرب: الشّريب للمشارب، وأنشد الفراء.