إذا سمع الحجاج رز كتيبةٍ ... أعد لها قبل النزول قراها
أعد لها مسمومةً فارسية ... بأيدي رجال يحلبون صراها
فما ولد الأبكار والعون مثله ... ببحر ولا أرضٍ يجف ثراها
قَالَ: فلما قَالَت هذا البيت قَالَ الحجاج: قاتلها الله! والله ما أصاب صفتى شاعر مذ دخلت العراق غيرها، ثم ألتفت إِلَى عنبسة بن سعيد فقَالَ: والله إنى لأعد للأمر عسى ألا يكون أبداً، ثم التفت إليها فقَالَ: حسبك، قَالَت: إنى قد قلت أكثر من هذا، قَالَ: حسبك! ويحك حسبك! ثم قَالَ: يا غلام، اذهب إِلَى فلان فقل له: اقطع لسانها، فذهب بها فقَالَ له: يقول لك الأمير: اقطع لسانها، قَالَ: فأمر بإحضار الحجام، فالتفتت إليه فقَالَت: ثكلتك أمك! أما سمعت ما قَالَ، إنما أمرك أن تقطع لسانى بالصلة، فبعث إليه يستثبته، فاستشاط الحجاج غضبا وهم بقطع لسانه وقَالَ: ارددها، فلما دخلت عليه قَالَت: كاد وأمانة الله يقطع مقولى، ثم أنشأت تقول:
حجاج أنت الذي ما فوقه أحد ... إلا الخليفة والمستغفر الصمد
حجاج أنت شهاب الحرب إن لقحت ... وأنت للناس نور فِي الدجى يقد
ثم أقبل الحجاج عَلَى جلسائه فقَالَ: أتدرون من هذه؟ قالوا: لا والله أيها الأمير، إلا أنا لم نر قط أفصح لسانا، ولا أحسن محاورة، ولا أملح وجها، ولا أرصن شعراً منها! فقَالَ: هذه ليلى الأخيلية، التى مات توبة الخفاجى من حبها! ثم التفت إليها فقَالَ: أنشدينا يا ليلى بعض ما قَالَ فيك توبة، قَالَت: نعم أيها الأمير، هو الذى يقول:
وهل تبكين ليلى إذا مت قبلها ... وقام عَلَى قبرى النساء النوائح
كما لو أصاب الموت ليلى بكيتها ... وجاد لها دمع من العين سافح
وأغبط من ليلى بما لا أناله ... بلى كل ما قرّت به العين طائح
ولو أن ليلى الأخيلية سلمت ... على ودونى جندل وصفائح
لسلّمت تسليم البشاشة أو زقاً ... إليها صدّى من جانب القبر صائح