فقَالَ زيدينا من شعره يا ليلى، قَالَت: هو الذى يقول:
حمامة بطن الواديين ترنمى ... سقاك من الغر الغوادى مطيرها
أبينى لنا لا زال ريشك ناعماً ... ولا زلت فِي خضراء غض نضيرها
وكنت إذا ما زرت ليلى تبرقعت ... فقد رابنى منها الغداة سفورها
وقد رابنى منها صدود رأيته ... وإعراضها عَنْ حاجتى وبسورها
وأشرف بالقور اليفاع لعلنى ... أرى نار ليلى أو يرانى بصيرها
يقول رجال لا يصيرك نأيها ... بلى كل ما شف النفوس يضيرها
بلى قد يضير العين أن تكثر ... البكا ويمنع منها نومها وسرورها
وقد زعمت ليلى بأنى فاجر ... لنفسى تقاها أو عليها فجورها
فقَالَ الحجاج: يا ليلى، ما الذى رابه من سفورك؟ فقَالَت: أيها الأمير، كان يلم بى كثيراً، فأرسل إِلَى يوما أن آتيك، وفطن الحى فأرصدوا له، فلما أتانى سفرت عَنْ وجهى، فعلم أن ذلك لشر فلم يزد عَلَى التسليم والرجوع، فقَالَ: لله درك! فهل رايت منه شيئاً تكرهينه؟ فقَالَت: لا والله الذى أسأله أن يصلحك، غير أنه قَالَ مرة قولا طننت أنه قد خضع لبعض الأمر، فأنشأت تقول:
وذى حاجةٍ قلنا له لا تبح بها ... فليس إليها ما حييت سبيل
لنا صاحب لا ينبغى أن نخونه ... وأنت لأخرى صاحب وحليل
فلا والله الذى أسأله أن يصلحك، ما رأيت منه شيئا حتى فرق الموت بيني وبينه، فقَالَ: ثم مه! قَالَت: ثم لم يلبث أن خرج فِي غزاة له فأوصى ابن عم له: إذا أتيت الحاضر من بنى عبادة فناد بأعلى صوتك:
عفا الله عنها هل أبيتن ليلةً ... من الدهر لا يسرى إِلَى خيالها
وأنا أقول:
وعنه عفا ربى وأحسن حاله ... فعزت علينا حاجة لا ينالها
قَالَ: ثم مه! قَالَت: ثم لم يلبث أن مات فأتانا نعيه، فقَالَ: أنشدينا بعض مراثيك فيه، فأنشدت: