فأنخت راحلتي فِي ظل شجرة، وحططت رحلى، ورسغت بعيرى، واضطجعت فِي بردى، فإذا أربع جوار كأنهن اللآلئ يرعين بهما لهن، فلما خالطت عينى السنة أقبلن حتى جلسن قريبا منى، وفى كف كل واحدة منهن حصيات تقلبهن، فخطت إحداهن ثم طرقت فقَالَت: قلن يا بنات عراف، فِي صاحب الجمل النياف، والبرد الكثاف، والجرم الخفاف.
ثم طرقت الثانية فقَالَت: مضل أذواد علا كد، كوم صلاخد، منهن ثلاث مقاحد، وأربع جدائد، شسف صمارد.
ثم طرقت الثالثة فقَالَت: رعين الفرع، ثم هبطن الكرع، بين العقدات والجرع.
فقَالَت الرابعة: ليهبط الغائط الأفيح، ثم لظهر فِي الملا الصحصح، بين سديرٍ وأملح، فهناك الذود رتاع بمنعرج الأجرع.
قَالَ: فقمت إِلَى جملى فشددت عليه رحله فركبت، والله ما سألتهن من هن ولا ممن هن.
فلما أدبرت قَالَت إحدهن: أبرح فتي إن جد فِي طلب، فما له غيرهن نشب، وسيثوب عَنْ كثب، ففزع قلبى والله قولها، فقلت: وكيف هذا؟ وقد خلفت بوادى عرجا عكامساً، فركبت السمت الذى وصف لى، حتى انتهيت إِلَى الموضع، فإذا ذودى رواتع، فضربن أعجازهن حتى أشرفت عَلَى الوادى الذى فيه إبلى، فإذا الرعاء تدعو بالويل، فقلت: ما شأنكم؟ قالوا: أغارت بهراء عَلَى إبلك فأسحفتها، فأمسيت والله مالى مال غير الذود، فرمي الله نواصيهن بالرغس، وإنى اليوم لأكثر بنى القين مالا، وفى ذلك القول:
هو الدهر آسٍ تارةً ثم جارح ... سوانحه مبثوثة والبوارح
فبينا الفتى فِي ظل نعماء غضة ... تباكره أفياؤه وتراوح
إلى أن رمته الحادثات بنكبةٍ ... تضيق به منها الرحاب الفسائح
فاصبح نضواً لا ينوء كأنما ... بأعظمه مما عراه القوادح
فما خلتني من بعد عرج عكامس ... أقسس أذوادا وهن روازح
حدابير ما ينهضن إلا تحاملا ... شواسف عوج أسأرتها الجوائح
فيا واثقاً بالدهر كن غير آمنٍ ... لما تنتضيه الباهظات الفوادح
فلست عَلَى أيامه بمحكمٍ ... إذا فغرت فاها الخطوب الكوالح
مجيرك منه الصبر أم كنت صابرا ... وإلا كما يهوى العدو العدو المكاشح