الحياء ويا ألأم أهل بيته، فلعمري لقد بلغ بك البخل الغاية الشائنة المذلة لأهلها، فساءت خلائقك لبخلك، فمنعت الحقوق، ولزمت العقوق، فأنت غير مشيد البنيان، ولا رفيع المكان، فقَالَ له عمرو: والله إن قريش لتعلم أني غير حلو المذاقة، ولا لذيذ الملاكة، وإني لكالشجا فِي الحلق، ولقد علمت أني ساكن الليل داهية النهار، لا اتبع الأفياء، ولا أنتمي إِلَى غير أبي، ولا يجهل حسبي، حام لحقائق الذمار، غير هيوبٍ عند الوعيد، ولا خائفٍ رعديد، فلم تعير بالبخل وقد جبلت عليه، فلعمري لقد أورثتك الضرورة لؤماً، والبخل فحشاً، فقطعت رحمك، وجرت فِي قضيتك، وأضعت حق من وليت أمره، فلست ترجى للعظائم، ولا تعرف بالمكارم، ولا تستعف عَنِ المحارم، لم تفدر عَلَى التوقير، ولم يحكم منك التدبير، فأُفحم الوليد.
فقَالَ معاوية، وساءه ذلك: كفا لا أبا لكما لا يرتفع بكما القول إِلَى ما لا نريد، ثم أنشأ عمرو، يقول:
وليدا ما كنت فِي القوم جالساً ... فكن ساكناً منك الوقار عَلَى بال
ولا يبدرن الدهر من فيك منطقٌ ... بلا نظرٍ قد كان منك وإغفال
وقرأت عَلَى أَبِي بَكْرٍ الغنوي:
ظعائن أبرقن الغريف وشمنه ... وخفقن الهمام أن تقاد قنابله
عَلَى إثر لا يرى النجم طالا ... من الليل إلا وهو قفرٌ منازله
أبرقن الخريف: رأين برق الخريف، وقَالَ بعضهم: دخلن فِي برق الخريف.
وشمنه: أبصرنه.
والشيم النظر إِلَى البرق خاصة.
وقوله: وخفن الهمام يعني دخلت شهور الحل فخفن أن يغير عليهن فتنكن ناحيته وتباعدن عنه.
والقنابل جمع قنبلة، وهي الجماعة من الخيل.
وقوله: لا يرى النجم طالعاً من الليل، يقول: هذا الحي لا يرى النجم طالعاً بسدفةٍ إلا رحل مكان آخر يبتغي النّجعة، وذلك فِي وقت من الأوقات، فكأنه أبدا قفر.
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه: سمعت أعرابياً، يقول: العاقل حقيق أن يسخى بنفسه عَنِ الدنيا، لعلمه ألا ينال أحد فيها شيئاً إلا قلّ إمتاعه به أو كثر عناؤه فيه، واشتدت مرزئته عليه عند فراقه، وعظمت التبعة فيه بعده
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، وأَبُو حاتم، عَنِ العتبي، قالا: قَالَ أعرابي: خير الإخوان من ينيل عرفاً أو يدفع ضرا