للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذا وكذا من مكة ولم أر مثلهن قط، فهل لك تأتي متنكراً فتسمع من حديثهن ولا يعلمن؟ قلت: ويحك! وكيف لي بأن يخفى ذلك؟ قَالَ: تلبس لبسة أعرابي ثم تجلس عَلَى قعود حتى تهجم عليهن.

قَالَ: فجلست عَلَى قعود ثم أتيتهن وسلمت عليهن، فسألنني أن أحدثهن وأنشدهن، فأنشدتهن لكثير وجميل وغيرهما، فقلن: يا أعرابي، ما أملحك! لو نزلت فتحدثت معنا يومنا هذا! فإذا أمسيت انصرفت.

قَالَ: فأنخت قعودي فجلست معهن فتحدثت وأنشدتهن، فدنت هند وهي التي كنت أشبب بها، فمددت يدها فألقت عمامتي عَنْ رأسي ثم قَالَت: بالله أتراك خدعتنا منذ اليوم، نحن والله خدعناك، ثم أرسلنا إليك خالداً ليأتينا بك عَلَى أقبح هيئاتك، ونحن عَلَى ما ترى.

ثم أخذنا فِي الحديث فقَالَت: يا سيدي لو رأيتني منذ أيام وأصبحت عند أهلي، فأدخلت رأسي فِي جيبي فلما نظرت إِلَى كعثبي فرأيته ملء العين وأمنية المتمني ناديت: يا عمراه يا عمراه! فصاح عمر: يا لبيكاه يا لبيكاه! ثم أنشأ يقول: قصيدة عمر بن أبي ربيعة التي أولها ألم تسأل الأطلال والمتربعا

ألم تسأل الأطلال والمتربعا ... ببطن حليات دوارس بلقعا

: وأملى علينا أَبُو عبد الله:

عرفت مصيف الحي والمتربعا

وهو غلط، لأن عرفت مصيف الحي أول قصيدة جميل:

فيبخلن أو يخبرن بالعلم بعدما ... نكأن فؤاداً كان قدماً مفجعا

بهند وأترابٍ لهند إذ الهوى ... جميعٌ وإذ لم نخش أن يتصدعا

وإذ نحن مثل الماء كان مزاجه ... كما صفق الساقي الرحيق المشعشعا

وإذ لا ولا نرى لواشٍ ... لدينا يطلب الصرم مطمعا

تنوعتن حتى عاود القلب سقمه ... وحتى تذكرت الحديث المودعا

فقلت لمطريهن بالحسن إنما ... ضررت فهل تسطيع نفعاً فتنفعا

واشتريت فاستشري وقد كان قد صحا ... فؤادٌ بأمثال المها كان موزعا

<<  <  ج: ص:  >  >>