أحب إليّ يا لبنى فراقا ... فبكّى للفراق وأسعديني
ظلمتك بالطلاق بغير جرم ... فقد أذهبت آخرتي وديني
قَالَ: فلما سمعت بذلك لبنى بكت بكاء شديدا، وأنشأت تقول:
رحلت إليه من بلدي وأهلي ... فجازاني جزاء الخائنينا
فمن راني فلا يغترَّ بعدي ... بحلو القول أو يبلو الدَّفينا
فلما انقضت عدَّتها وأرادت الشخوص إِلَى أهلها، أتيت براحلة لتحمل عليها، فلما رأى ذلك قيس داخله منه أمر عظيم واشتد لهفه، وأنشأ يقول:
بانت لبيني فأنت اليوم متبول ... وإنك اليوم بعد الحزم مخبول
فأصبحت عنك لبني اليوم نازحة ... ودلّ لبني الخيرات المعسول
هل ترجعنَّ نوى لبنى بعاقبةٍ ... كما عهدت ليالي العشق مقبول
وقد أراني بلبني حقّ مقتنع ... والشَّمل مجتمعٌ والحبل موصول
فصرت من حبِّ لبنى حين أذكرها ... القلب مرتهن والعقل مدخول
أصبحت من حب لبنى بل تذكُّرها ... فِي كربة ففؤادي اليوم مشغول
والجسم منِّي منهوك لفرقتها ... يبريه طول سقامٍ فهو منحول
كأنني يوم ولَّت ما تكلمني ... أخو هيام مصاب القلب مسلول
أستودع الله لبنى اذ تفارقني عَنْ غير طوع وأمر الشيخ مفعول ثم ارتحلت لبنى، فجعل قيس يقبِّل موضع رجليها من الأرض وحول خبائها، فلما رأى ذلك قومه أقبلوا عَلَى أبيه بالعذل واللوم، فقَالَ ذريح لما رأي حاله تلك: قد جنيت عليك يا بنيَّ، فقَالَ له قيس: قد كنت أخبرك أني مجنون بها فلم ترض إلا بقتلي، فالله حسبك وحسب أمي! وأقبل قومه يعذلونه فِي تقبيله التراب، فأنشأ يقول:
فما حبيّ لطيب تراب أرضٍ ... ولكن حب من وطئ الترابا
فهذا فعل شيخينا جميعاً ... أرادا لي البلية والعذابا