ثم قَالَ: أي بني، إذا أحببت فلا تفرط، وإذا أبغضت فلا تشطط، فإنه قد كان يُقَال: أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما، وكن كما قَالَ هدبة بن الخشرم العذريّ:
وكن معقلاً للحلم واصفح عَنِ الخنا ... فإنك راءٍ ما حييت وسامع
وأحبب إذا أحببت حباً مقارباً ... فإنك لا تدري متى أنت نازع
وأبغض إذا أبغضت بغضاً مقارباً ... فإنك لا تدري متى أنت راجع
وعليك بصحبة الأخيار وصدق الحديث، وإياك وصحبة الأشرار فإنه عار، وكن كما قَالَ الشاعر:
اصحب الأخيار وارغب فيهم ... ربّ من صاحبته مثل الجرب
ودع الناس فلا تشتمهم ... وإذا شاتمت فاشتم ذا حسب
إنّ من شاتم وغداً كالذّي ... يشتري الصّفر بأعيان الذّهب
وأصدق الناس إذا حدثتهم ... ودع الناس فمن شاء كذب
قَالَ: وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ، قَالَ: أنشدنا عبد الرحمن، عَنْ عمه، لكعب:
وذي ندب دامي الأظل قسمته ... محافظةً بيني وبين زميلي
وزادٍ رفعت الكفّ عنه تجملاً ... لأوثر فِي زادي عَلَى أكيلي
وما أنا للشيء الذّي ليس نافعي ... ويغضب منه صاحبي بقئول
النّدب: الأثر، وجمعه ندوب وأندابٌ، والأظل: باطن خف البعير.
وأنشدنا أَبُو بَكْرٍِ رحمه الله، قَالَ: أنشدنا أَبُو عثمان عَنِ التّوزي، عَنْ أبي عبيدة، لعروة بن الورد:
لا تشتمنّي يا بن ورد فإننّي ... تعود عَلَى مالي الحقوق العوائد
ومن يؤثر الحقّ النّدوب تكن به ... خصاصة جسم وهو طيان ماجد