وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر، رحمه الله، تعالى، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَان الأشناندانى، قَالَ: حَدَّثَنِي التوزى، عَنْ أَبِي عبيدة، قَالَ: لما مات حصين بْن الحمام سمعوا صارخا يصيح من جبل ويقول:
ألا ذهب الحلو الحلال الحلاحل ... ومن عقده حزم وعزم ونائل
ومن قوله فصل إذا القوم أفحموا ... تصيب مرادى قوله ما يحاول
فلما سمعه معية أخوه قَالَ: هلك والله حصين، وأنشأ يَقُولُ:
نعيت حيا الأضياف فِي كل شتوةٍ ... ومدره حربٍ إذ تخاف الزلازل
ومن لا ينادى بالهضيمة جاره ... إذا أسلم الجار الألف المواكل
فمن وبمن نستدفع الضيم بعده ... وقد صممت فينا الخطوب النوازل
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْر، رحمه الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَن، وأَبُو حاتم، والأشنانداني، والرياشى، قَالُوا كلهم: سمعنا الأصمعى، يَقُولُ: كنت بالبادية فرأيت امْرَأة عند قبر وهي تبكى وتقول:
فمن للسؤال ومن للنوال ... ومن للمقَالَ ومن للخطب
ومن للحماة ومن للكماة ... إذا ما الكماة جثوا للركب
إذا قِيلَ مات أَبُو مالك ... فتى المكرمات قريع العرب
فقد مات عز بني آدم وقد ... ظهر النكد بعد الطرب
قَالَ: فملت إليها فقلت لها: من هذا الَّذِي مات هَؤُلَاءِ الخلق كلهم بموته؟ فقَالَت: أو ما تعرفه؟ قلت: اللهم لا، فأقبلت ودمعتها تنحدر وإذا هي مقاء برشاء ثرماء، فقَالَت: فديتك! هذا أَبُو مالك الحجام ختن أَبِي منصور الحائك! فقلت عليك لعنة الله! والله ما ظننت إلا أنه سيد من سادات العرب: قريع الشول: فحلها، والقريع: الفحل من الرجال الشجاع.
والمقاء: الطويلة، والأمق: الطويل، والمقق: الطول.
والثرماء: التي قد سقطت ثنيتاها