أخبرك أيها الملك هجينان منا يرعيان غنما لهما، فتشاولا بسيفهما فأصاب صاحبهم عقب صاحبنا، فعاث فيه السيف فنزف فمات، فسألونا أخذ دية صاحبنا دية الهجين، وهى نصف دية الصريح، فأبى قومى وكان لنا رباء عليهم، فأبينا إلا دية الصريح وأبوا إلا دية الهجين، فكان اسم هجيننا ذهين بن زبراء، واسم صاحبهم عنقش بن مهيرة وهى سوداء أيضاً، فتفاقم الأمر بين الحيين، فقَالَ رجل منا:
حلومكم يا قوم لا تعزبنها ... ولا تقطعوا أرحامكم بالتدابر
وأدوا إِلَى الأقوام عقل ابن عمهم ... ولا ترهقوهم سبةً فِي العشائر
فإن ابن زبراء الذى فاد لم يكن ... بدون خليف أو أسيد بن جابر
فإن لم تعاطوا الحق فالسيف بيننا ... وبينكم والسيف أجور جائر
فتظافروا علينا حسدا، فأجمع ذوو الحجا منا أن نلحق بأمنع بطن من الأزد، فلحقنا بالنمر بن عثمان، فوالله ما فت فِي أعضادنا، فأبنا عنهم ولقد أثأرنا صاحبنا وهم راغمون.
فوثب طريف بن العاصى من مجلسه بإزاء الحارث ثم قَالَ: تالله ما سمعت كاليوم قولا أبعد من صواب، ولا أقرب من خطل، ولا أجلب لقذع من قول هذا، والله أيها الملك! ما قتلوا بهجينهم بذجا، ولا رقوا به درجا، ولا أنطوا به عقلا، ولا اجتفئوا به خشلا، ولقد أخرجهم الخوف عَنْ أصلهم، وأجلاهم عَنْ محلهم، حتى استلانوا خشونة الإزعاج، ولجئوا إِلَى أضيق الولاج، قلا وذلاً.
فقَالَ الحارث: أتسمع يا طريف؟ إنى والله ما إخالك كافا غرب لسانك، ولا منهنها شرة نزوانك، حتى أسطو بك سطوةً تكف طماحك، وترد جماحك، وتكبت تترعك، وتقمع تسرعك، فقَالَ طريف: مهلاً يا حارث، لا تعرض لطحمة استنانى، وذرب سنانى، وغرب شبابى، وميسم سبابى، فتكون كالأظل الموطوء، والعجب الموجوء؛ فقَالَ الحارث: إياى تخاطب بمثل هذا القول! فوالله لو وطئتك لأسختك، ولو وهصتك لأوهطتك، ولو نفحتك لأفدتك، فقَالَ طريف متمثلا:
وإن كلام المرء فِي غير كنهه ... لكالنبل تهوى ليس فيها نصالها
أما والأصنام المحجوبة، والأنصاب المنصوبة، لئن لم تربع عَلَى ظلعك، وتقف عند قدرك، لأدعن حزنك سهلا، وغمرك ضحلا، وصفاك وحلا، فقَالَ الحارث: أما والله لو رمت ذلك لمرغت