للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا تَكُونُ عَنْ رَأْيٍ.

الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْأَحْكَامِ الصَّادِرَةِ عَنْهُ مَا يَكُونُ عَنِ اجْتِهَادٍ لَجَازَ أَنْ لَا يُجْعَلَ أَصْلًا لِغَيْرِهِ، وَأَنْ يُخَالَفَ فِيهِ، وَأَنْ لَا يَكْفُرَ مُخَالِفُهُ ; لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مِنْ لَوَازِمِ الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ بِالِاجْتِهَادِ.

الثَّالِثُ: لَوْ كَانَ مُتَعَبَّدًا بِالِاجْتِهَادِ لَأَظْهَرَهُ، وَلَمَا تَوَقَّفَ عَلَى الْوَحْيِ فِيمَا كَانَ يَتَوَقَّفُ فِيهِ فِي بَعْضِ الْوَقَائِعِ ; لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنَ الِاجْتِهَادِ، وَاللَّازِمُ مُمْتَنِعٌ.

الرَّابِعُ: أَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُفِيدُ سِوَى الظَّنِّ، وَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ قَادِرًا عَلَى تَلَقِّي الْأَحْكَامِ مِنَ الْوَحْيِ الْقَاطِعِ، وَالْقَادِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الْيَقِينِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَصِيرُ إِلَى الظَّنِّ، كَالْمُعَايِنِ لِلْقِبْلَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ فِيهَا.

الْخَامِسُ: أَنَّ الْأُمُورَ الشَّرْعِيَّةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمَصَالِحِ الَّتِي لَا عِلْمَ لِلْخَلْقِ بِهَا، فَلَوْ قِيلَ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: احْكُمْ بِمَا تَرَى، كَانَ ذَلِكَ تَفْوِيضًا إِلَى مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالْأَصْلَحِ، وَذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ اخْتِلَالَ الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ وَالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.

السَّادِسُ: أَنَّ لَنَا صَوَابًا فِي الرَّأْيِ وَصِدْقًا فِي الْخَبَرِ، وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْبِرَ بِمَا لَا يَعْلَمُ كَوْنَهُ صِدْقًا، فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِمَا لَا عِلْمَ لَهُ بِصَوَابِهِ.

السَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ مُتَعَبَّدًا بِالِاجْتِهَادِ لَجَازَ أَنْ يُرْسِلَ اللَّهُ رَسُولًا، وَيَجْعَلَ لَهُ أَنْ يَشْرَعَ شَرِيعَةً بِرَأْيِهِ وَأَنْ يَنْسَخَ مَا تَقَدَّمَهُ مِنَ الشَّرَائِعِ الْمُنَزَّلَةِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنْ يَنْسَخَ أَحْكَامًا أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِرَأْيِهِ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ.

الثَّامِنُ: أَنَّهُ لَوْ جَازَ صُدُورُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَنْ رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ فَرُبَّمَا أَوْرَثَ ذَلِكَ تُهْمَةً فِي حَقِّهِ، وَأَنَّهُ هُوَ الْوَاضِعُ لِلشَّرِيعَةِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ مِمَّا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْبَعْثَةِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.

التَّاسِعُ: أَنَّ الِاجْتِهَادَ عُرْضَةٌ لِلْخَطَإِ فَوَجَبَ صِيَانَةُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْهُ.

الْعَاشِرُ: أَنَّ الِاجْتِهَادَ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ النَّصِّ، وَهَذَا غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي حَقِّ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ; لِأَنَّ الْوَحْيَ مُتَوَقَّعٌ فِي حَقِّهِ فِي كُلِّ حَالَةٍ.

وَالْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرُوهُ عَلَى الْآيَةِ الْأُولَى قَدْ سَبَقَ فِيمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا، وَعَمَّا ذَكَرُوهُ عَلَى الْآيَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>