للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْحُكْمَ بِمَا اسْتُنْبِطَ مِنَ الْمُنَزَّلِ يَكُونُ حُكْمًا بِالْمُنَزَّلِ ; لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِمَعْنَاهُ، وَلِهَذَا قَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} . (١) الثَّانِي: أَنَّ حُكْمَهُ بِالِاجْتِهَادِ حُكْمٌ بِمَا أَرَاهُ اللَّهُ، فَتَقْيِيدُهُ بِالْمُنَزَّلِ خِلَافُ الْإِطْلَاقِ.

وَعَمَّا ذَكَرُوهُ عَلَى الْآيَةِ الثَّالِثَةِ: أَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَ بِالْمُشَاوَرَةِ فِي أَمْرِ الْفِدَاءِ، وَهُوَ مِنْ أَحْكَامِ الدِّينِ لِتَعَلُّقِهِ بِأَعْظَمِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ. (٢) وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ كَمَا ذَكَرُوهُ، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَ فِيهِ، وَبِهِ دَفْعُ مَا ذَكَرُوا عَلَى الْآيَةِ الرَّابِعَةِ.

وَعَمَّا ذَكَرُوهُ عَلَى الْعِتَابِ فِي أُسَارَى بَدْرٍ، فَهُوَ عَلَى خِلَافِ عُمُومِ الْخِطَابِ الْوَارِدِ فِي الْآيَةِ وَتَخْصِيصِ دَلِيلٍ، فَلَا يَصِحُّ.

وَعَمَّا ذَكَرُوهُ عَلَى الْخَبَرِ الْأَوَّلِ مِنَ السُّنَّةِ بِمَا بَيَّنَّاهُ فِيمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْمُرْسَلَ حُجَّةٌ. (٣) وَقَوْلُهُمْ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يَحْكُمُ بِالْوَحْيِ، وَالْوَحْيُ الثَّانِي نَاسِخٌ لَهُ.

قُلْنَا: النَّسْخُ خِلَافُ الْأَصْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْطِيلِ الدَّلِيلِ الْمَنْسُوخِ، وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ نَسْخًا لَمَا حَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، غَيْرَ أَنَّ تَعْطِيلَ دَلِيلِ الِاجْتِهَادِ بِنَسْخِ حُكْمِهِ أَوْلَى مِنْ تَعْطِيلِ الْقُرْآنِ.

وَعَمَّا ذَكَرُوهُ عَلَى الْخَبَرِ الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِذْخِرُ مُسْتَثْنًى فِيمَا نُزِلَ إِلَيْهِ لَكَانَ تَأْخِيرُهُ إِلَى مَا بَعْدَ قَوْلِ الْعَبَّاسِ تَأْخِيرًا لِلِاسْتِثْنَاءِ عَنِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَعَ دَعْوَى الْحَاجَةِ إِلَى اتِّصَالِهِ بِهِ حَذَرًا مِنَ التَّلْبِيسِ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ.

وَعَمَّا ذَكَرُوهُ عَلَى الْخَبَرِ الثَّالِثِ، أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَوْلِهِ: " «الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ» " فِيمَا اخْتُصُّوا بِهِ مِنَ الْعِلْمِ مُطْلَقًا، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ عُلُومُهُمُ الِاجْتِهَادِيَّةُ مَوْرُوثَةً عَنِ الْأَنْبِيَاءِ لَكَانَ ذَلِكَ تَقْيِيدًا لِلْمُطْلَقٍ وَتَخْصِيصًا لِلْعَامِّ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَبِهِ يَبْطُلُ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ التَّأْوِيلَاتِ.


(١) هَذَا خَطَأٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: " فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ " مِنْ سُورَةِ الْحَشْرِ وَالْآيَةُ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا هُنَا مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ وَآخِرُهَا (وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: " فِي آخِرِ الْآيَةِ " مُحَرَّفًا، وَالْأَصْلُ: فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى.
(٢) انْظُرِ التَّعْلِيقَ ص ١٦٨ ج٤.
(٣) انْظُرِ التَّعْلِيقَ مِنْ ص ١٢٤ - ١٢٨ ج٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>