للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ كَانَ مِنَ الْقِسْمِ الثَّانِي فَلَا خِلَافَ فِي عُمُومِهِ فِي حِلِّ مِيتَتِهِ لِأَنَّهُ عَامٌّ مُبْتَدَأٌ بِهِ لَا فِي مَعْرِضِ الْجَوَابِ، إِذْ هُوَ غَيْرُ مَسْئُولٍ عَنْهُ، وَكُلُّ عَامٍّ وَرَدَ مُبْتَدَأً بِطَرِيقِ الِاسْتِقْلَالِ فَلَا خِلَافَ فِي عُمُومِهِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْعُمُومِ.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْجَمُّ الْغَفِيرُ أَنَّهُ عَامٌّ، وَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عُمُومُهُ بِالسَّبَبِ الَّذِي وَرَدَ عَلَيْهِ، وَالْمَنْقُولُ عَنِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَالِكٍ وَالْمُزَنِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ خِلَافُهُ.

وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِيمَا إِذَا وَرَدَ الْعَامُّ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالسُّؤَالِ، كَمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مَرَّ بِشَاةٍ مَيْمُونَةٍ وَهِيَ مَيْتَةٌ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَيُّمَا إِهَابٌ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» " (١) .

وَالْمُخْتَارُ إِنَّمَا هُوَ الْقَوْلُ بِالتَّعْمِيمِ إِلَى أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى التَّخْصِيصِ.

وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ لَوْ عُرِّيَ اللَّفْظُ الْوَارِدُ عَنِ السَّبَبِ كَانَ عَامًّا، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِاقْتِضَائِهِ لِلْعُمُومِ بِلَفْظِهِ لَا لِعَدَمِ السَّبَبِ، فَإِنَّ عَدَمَ السَّبَبِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الدَّلَالَاتِ اللَّفْظِيَّةِ، وَدَلَالَةُ الْعُمُومِ لَفْظِيَّةٌ، وَإِذَا كَانَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى الْعُمُومِ مُسْتَفَادَةً مِنْ لَفْظِهِ فَاللَّفْظُ وَارِدٌ مَعَ وُجُوبِ السَّبَبِ حَسَبَ وُرُودِهِ مَعَ عَدَمِ السَّبَبِ، فَكَانَ مُقْتَضِيًا لِلْعُمُومِ، وَوُجُودُ السَّبَبِ لَوْ كَانَ لَكَانَ مَانِعًا مِنِ اقْتِضَائِهِ لِلْعُمُومِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَانِعِيَّةِ، فَمُدَّعِيهَا يَحْتَاجُ إِلَى الْبَيَانِ.

الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَانِعًا مِنَ الِاقْتِضَاءِ لِلْعُمُومِ لَكَانَ تَصْرِيحُ الشَّارِعِ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِعُمُومِهِ مَعَ وُجُودِ السَّبَبِ إِمَّا إِثْبَاتَ حُكْمِ الْعُمُومِ مَعَ انْتِفَاءِ الْعُمُومِ، أَوْ إِبْطَالَ الدَّلِيلِ الْمُخَصَّصِ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ.

الثَّالِثُ: أَنَّ أَكْثَرَ الْعُمُومَاتِ وَرَدَتْ عَلَى أَسْبَابٍ خَاصَّةٍ، فَآيَةُ السَّرِقَةِ نَزَلَتْ فِي سَرِقَةِ الْمِجَنِّ أَوْ رِدَاءِ صَفْوَانَ، وَآيَةُ الظِّهَارِ نَزَلَتْ فِي حَقِّ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ، وَآيَةُ اللِّعَانِ نَزَلَتْ فِي حَقِّ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

وَالصَّحَابَةُ عَمَّمُوا أَحْكَامَ هَذِهِ


(١) الْحَدِيثُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ: " إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ "، وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِمَعْنَاهُ، انْظُرْ تَلْخِيصَ الْحَبِيرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>