للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذِهِ الْحُجَجُ ضَعِيفَةٌ

أَمَّا الْأُولَى: فَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ صِدْقَهُ فِي السَّاعَةِ الْأُخْرَى حَسَنٌ (١) ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مُلَازَمَةِ الْقَبِيحِ لَهُ قُبْحُهُ وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا مِنْ جِهَةِ اسْتِلْزَامِهِ لِلْقَبِيحِ، فَلَا يَمْتَنِعُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالْحُسْنِ إِلَى مَا اخْتَصَّ بِهِ مِنَ الْوُجُوهِ وَالِاعْتِبَارَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْحُسْنِ وَالْقُبْحِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُبَّائِيَّةِ. وَإِنْ قُدِّرَ امْتِنَاعُ ذَلِكَ فَلَا يَمْتَنِعُ الْحُكْمُ بِقُبْحِ صِدْقِهِ لِمَا ذَكَرُوهُ وَقُبْحِ كَذِبِهِ لِكَوْنِهِ كَذِبًا.

وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَلِأَنَّهُ لَا امْتِنَاعَ مِنَ الْقَوْلِ بِقُبْحِ الْخَبَرِ مَشْرُوطًا بِعَدَمِ زَيْدٍ فِي الدَّارِ، وَالشَّرْطُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ.

وَأَمَّا الثَّالِثَةُ: فَلِمَا يَلْزَمُهَا مِنِ امْتِنَاعِ اتِّصَافِ الْخَبَرِ بِكَوْنِهِ كَاذِبًا وَهُوَ مُحَالٌ.

وَأَمَّا الرَّابِعَةُ: فَلِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ قُبْحُ الْخَبَرِ الْكَاذِبِ مَشْرُوطًا بِالْوَضْعِ وَعَدَمِ مُطَابَقَتِهِ لِلْمُخْبَرِ عَنْهُ، مَعَ عِلْمِ الْمُخْبَرِ بِهِ كَمَا كَانَ ذَلِكَ مَشْرُوطًا فِي كَوْنِهِ كَذِبًا.

وَأَمَّا الْخَامِسَةُ: فَلِأَنَّ الْكَذِبَ فِي الصُّورَةِ الْمَفْرُوضَةِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِخَلَاصِ النَّبِيِّ لِإِمْكَانِ الْإِتْيَانِ بِصُورَةِ الْخَبَرِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَهُ، أَوْ مَعَ التَّعْرِيضِ وَقَصْدِ الْإِخْبَارِ عَنِ الْغَيْرِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَيَّنًا لَهُ كَانَ قَبِيحًا، وَإِنْ قُدِّرَ تَعْيِينُهُ فَالْحَسَنُ وَالْوَاجِبُ مَا لَازَمَهُ مِنْ تَخْلِيصِ النَّبِيِّ لَا نَفْسُ الْكَذِبِ، وَاللَّازِمُ غَيْرُ الْمَلْزُومِ وَغَايَتُهُ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِهِ مَعَ قُبْحِهِ وَلَا يَحْرُمُ شَرْعًا لِتَرَجُّحِ الْمَانِعِ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا السَّادِسَةُ: فَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ مَنْعُ تَقَدُّمِ قُبْحِ الظُّلْمِ عَلَيْهِ ضَرُورَةَ كَوْنِهِ صِفَةً لَهُ، بَلِ الْمُتَقَدِّمُ إِنَّمَا هُوَ الْحُكْمُ عَلَى مَا سَيُوجَدُ مِنَ الظُّلْمِ بِكَوْنِهِ قَبِيحًا شَرْعًا وَعُرْفًا، وَأَمْكَنَ مَنْعُ تَعْلِيلِ الْقُبْحِ بِالْعَدَمِ. وَعَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ وَإِنْ كَانَ لَازِمًا لِلظُّلْمِ فَلَا


(١) الْتِزَامُ إِنْسَانٍ الْكَذِبَ فِي سَاعَةٍ أُخْرَى عَلَى تَقْدِيرِ بَقَائِهِ قَبِيحٌ وَاسْتِمْرَارُهُ عَلَى ذَلِكَ وَوَفَاؤُهُ بِمَا الْتَزَمَهُ كِلَاهُمَا قَبِيحٌ، فَكَانَ نَقْضُهُ صِيَانَةَ نَفْسِهِ عَنِ الْكَذِبِ وَحِرْصَهُ عَلَى الصِّدْقِ فِي جَمِيعِ أَخْبَارِهِ يُعَدُّ حَسَنًا مُسْتَلْزِمًا التَّخَلُّصَ مِنَ الْقَبِيحِ لَا لِلْقَبِيحِ، وَبِذَلِكَ يَتِمُّ الْجَوَابُ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مُلَازَمَةِ الْقُبْحِ لَهُ قُبْحُهُ. وَمَا بَعْدَهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِ فِي الْجَوَابِ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>