للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَلَّمْنَا أَنَّهُ مُوَافَقَةٌ، لَكِنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ.

وَكَيْفَ يُقَالُ بِذَلِكَ، وَقَدْ عَدَلُوا عَمَّا أُمِرُوا بِهِ وَنُهُوا عَنْهُ وَتَجَبَّرُوا وَتَآمَرُوا وَجَعَلُوا الْخِلَافَ طَرِيقًا إِلَى أَغْرَاضِهِمُ الْفَاسِدَةِ؟ حَتَّى جَرَى بَيْنَهُمْ مَا جَرَى مِنَ الْفِتَنِ وَالْحُرُوبِ وَتَأَلَّبُوا عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ، وَكَتَمُوا النَّصَّ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَصَبُوهُ الْخِلَافَةَ، وَمَنَعُوا فَاطِمَةَ إِرْثَهَا مِنْ أَبِيهَا الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِرِوَايَةٍ انْفَرَدَ بِهَا أَبُو بَكْرٍ، وَعَدَلُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ الْمَعْصُومِ الْمُحِيطِ بِجَمِيعِ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي لَا يَجُوزُ مَعَهَا الِاحْتِجَاجُ بِأَقْوَالِهِمْ، وَهَذَا السُّؤَالُ مِمَّا أَوْرَدَهُ الرَّافِضَةُ.

سَلَّمْنَا أَنَّ قَوْلَ الْبَعْضِ بِالْقِيَاسِ وَسُكُوتَ الْبَاقِينَ حُجَّةٌ، لَكِنَّهَا حُجَّةٌ ظَنِّيَّةٌ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْإِجْمَاعِ، وَكَوْنُ الْقِيَاسِ حُجَّةً أَمْرٌ قَدْ تَعَبَّدْنَا فِيهِ بِالْعِلْمِ، فَلَا يَكُونُ مُسْتَفَادًا مِنَ الدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ.

سَلَّمْنَا صِحَّةَ الِاحْتِجَاجِ بِهِ، وَلَكِنْ مَا الْمَانِعُ أَنْ يَكُونَ عَمَلُهُمْ بِالْقِيَاسِ الْمَنْصُوصَ عَلَى عِلَّتِهِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ كَمَا قَالَهُ النَّظَّامُ وَالْقَاشَانِيُّ وَالنَّهْرَوَانِيُّ.

سَلَّمْنَا عَمَلَهُمْ بِكُلِّ قِيَاسٍ، لَكِنْ لِمَ قُلْتُمْ إِنَّهُ إِذَا جَازَ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ لِلصَّحَابَةِ جَازَ ذَلِكَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ ; وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ الْيَقِينِ وَالصَّلَابَةِ فِي الدِّينِ وَمُشَاهَدَةِ الْوَحْيِ وَالتَّنْزِيلِ وَكَثْرَةِ التَّحَفُّظِ فِي أُمُورِ دِينِهِمْ، حَتَّى نُقِلَ عَنْهُمْ قَتْلُ الْأَبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَبَذْلُ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ وَمُهَاجَرَةُ الْأَهْلِ وَالْأَوْطَانِ فِي نُصْرَةِ الدِّينِ، حَتَّى وَرَدَ فِي حَقِّهِمْ مِنَ التَّفْضِيلِ وَالتَّعْظِيمِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا لَمْ يَرِدْ مِثْلُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْإِجْمَاعِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ عَمَلِهِمْ بِالْقِيَاسِ جَوَازُهُ لِغَيْرِهِمْ.

سَلَّمْنَا دَلَالَةَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ عَلَى صِحَّةِ الْقِيَاسِ وَأَنَّا مُتَعَبِّدُونَ بِهِ لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} ، وَالْحُكْمُ بِالْقِيَاسِ تَقَدُّمٌ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ; لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِغَيْرِ قَوْلَيْهِمَا.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} ، وَالْحُكْمُ بِالْقِيَاسِ قَوْلٌ بِمَا لَا يُعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>