للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} ، وَالْحُكْمُ بِالْقِيَاسِ حُكْمٌ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} ، وَالْحُكْمُ بِالْقِيَاسِ لَا يَكُونُ حُكْمًا لِلَّهِ وَلَا مَرْدُودًا إِلَيْهِ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى الْقِيَاسِ.

وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ فَمَا رَوَى عُمَرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي فِرَقًا أَعْظَمُهَا فِتْنَةً الَّذِينَ يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِالرَّأْيِ» " (١) وَأَيْضًا مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " «تَعْمَلُ هَذِهِ الْأُمَّةُ بُرْهَةً بِكِتَابِ اللَّهِ، وَبُرْهَةً بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، وَبُرْهَةً بِالرَّأْيِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَلُّوا وَأَضَلُّوا» " (٢) ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ وَالْعَمَلَ بِالرَّأْيِ غَيْرُ صَحِيحٍ.

وَالْجَوَابُ: قَوْلُهُمْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ عَمِلَ بِالْقِيَاسِ، قُلْنَا: دَلِيلُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ.

قَوْلُهُمْ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَمَلُهُمْ بِدَلَالَاتِ النُّصُوصِ الْخَفِيَّةِ.

قُلْنَا: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَظَهَرَ الْمُسْتَنَدُ وَاشْتَهَرَ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ.

قَوْلُهُمْ: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لِمَحْضِ الْقِيَاسِ لَأَظْهَرُوا الْعِلَلَ الْجَامِعَةَ وَصَرَّحُوا بِهَا كَمَا فِي النُّصُوصِ.

قُلْنَا: مِنْهُمْ مَنْ صَرَّحَ كَتَصْرِيحِ أَبِي بَكْرٍ فِي التَّسْوِيَةِ فِي الْعَطَاءِ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ: " إِنَّمَا الدُّنْيَا بَلَاغٌ " وَتَصْرِيحِ عَلِيٍّ فِي قِيَاسِهِ حَدَّ شَارِبِ الْخَمْرِ عَلَى حَدِّ الْقَاذِفِ بِوَاسِطَةِ الِاشْتِرَاكِ فِي الِافْتِرَاءِ، وَتَصْرِيحِ عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي إِلْحَاقِهِمْ عُمَرَ فِي صُورَةِ الْمَرْأَةِ الَّتِي أَجْهَضَتِ الْجَنِينَ بِالْمُؤَدِّبِ بِوَاسِطَةِ التَّأْدِيبِ.

وَمِنْهُمْ مَنِ اعْتَمَدَ فِي التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا بِفَتْوَاهُ، وَجَرْيُ الْعَادَةِ بِفَهْمِ الْمُسْتَمِعِ وَجْهَ الْمَأْخَذِ وَالشَّبَهِ بَيْنَ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَمَحَلِّ الْإِجْمَاعِ، وَلِهَذَا فَإِنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ مِنْ بَعْضِ


(١) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْبَزَارُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.
(٢) رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ وَفِي سَنَدِهِ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>