الْمُلُوكِ بِقَتْلِ الْجَاسُوسِ إِذَا ظَفِرَ بِهِ ; زَجْرًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ عَنِ التَّجَسُّسِ عَلَيْهِ، وَعَادَةُ الْبَعْضِ الْإِحْسَانُ إِلَيْهِ لِاسْتِمَالَتِهِ لَهُ حَتَّى يَدُلَّهُ عَلَى أَحْوَالِ عَدُوِّهِ، فَإِذَا رَأَيْنَا مَلِكًا قَدْ قَتَلَ جَاسُوسًا أَوْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ، وَلَمْ نَعْهَدْ مِنْ عَادَتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ شَيْئًا كَانَ ذَلِكَ كَافِيًا فِي التَّنْبِيهِ عَلَى رِعَايَةِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَتْلِ أَوِ الْإِحْسَانِ فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ، وَلَا كَذَلِكَ النُّصُوصُ فَإِنَّ الْأَذْهَانَ غَيْرُ مُسْتَقِلَّةٍ بِمَعْرِفَتِهَا، فَدَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى التَّصْرِيحِ بِهَا.
وَعَلَى هَذَا فَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ فِي قَوْلِهِ: " أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ": إِنَّهُ طَلَاقٌ ثَلَاثٌ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ التَّحْرِيمِ يَقْتَضِي نِهَايَةَ التَّحْرِيمِ، وَذَلِكَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، فَلِذَلِكَ عَدَّى الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ إِلَيْهِ.
وَمَنْ جَعَلَهُ طَلْقَةً وَاحِدَةً نَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ اعْتَبَرَ فِيهِ أَقَلَّ مَا يَثْبُتُ مَعَهُ التَّحْرِيمُ، فَلِذَلِكَ أَلْحَقَهُ بِالطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ، وَمَنْ جَعَلَهُ ظِهَارًا أَلْحَقَهُ بِالظِّهَارِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يُفِيدُ التَّحْرِيمَ بِلَفْظٍ لَيْسَ هُوَ لَفْظَ الطَّلَاقِ، وَلَا لَفْظَ الْإِيلَاءِ.
وَمَنْ شَرَّكَ بَيْنَ الْجَدِّ وَابْنِ الِابْنِ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الْإِدْلَاءِ إِلَى الْمَيِّتِ فِي طَرَفَيِ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ، وَلِهَذَا شَبَّهَهُمَا بِغُصْنَيْ شَجَرَةٍ وَجَدْوَلَيْ نَهْرٍ.
وَمِنْ ذَلِكَ تَنْبِيهُ عُمَرَ فِي قِيَاسِهِ الْخُمُورَ عَلَى الشُّحُومِ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ أَثْمَانِهَا تَحْرِيمُهَا.
وَمِنْ ذَلِكَ التَّنْبِيهُ فِي التَّشْرِيكِ بَيْنَ الْإِخْوَةِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الِاشْتِرَاكُ فِي جِهَةِ الْأُمُومَةِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّنْبِيهَاتِ.
وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ لِبَعْضِ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ فِيمَا عَمِلُوا بِهِ بِالرَّأْيِ.
قَوْلُهُمُ: اجْتِهَادُ الرَّأْيِ أَعَمُّ مِنَ الْقِيَاسِ.
قُلْنَا: وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قِيلَ، غَيْرَ أَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُسْتَنِدًا إِلَى النُّصُوصِ، فَتَعَيَّنَ اسْتِنَادُهُ إِلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِنْبَاطِ (١) .
قَوْلُهُمْ: لَا نُسَلِّمُ عَمَلَ الْكُلِّ بِالْقِيَاسِ.
(١) سَبَقَ تَعْلِيقًا مَا فِي ذَلِكَ ص ٤١ - ٤٢ - ٤٤ - ج٤.