للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْنَا: وَإِنْ عَمِلَ بِهِ الْبَعْضُ، فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنَ الْبَاقِينَ فِي ذَلِكَ نَكِيرٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا.

قَوْلُهُمْ: قَدْ وُجِدَ الْإِنْكَارُ، لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ صُوَرِ الْإِنْكَارِ فَهِيَ مَنْقُولَةٌ عَمَّنْ نَقَلْنَا عَنْهُمُ الْقَوْلَ بِالرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّوْفِيقِ بَيْنَ النَّقْلَيْنِ لِاسْتِحَالَةِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَالْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ أَوْلَوِيَّةٍ، وَعِنْدَ ذَلِكَ فَيَجِبُ حَمْلُ مَا نُقِلَ عَنْهُمْ مِنْ إِنْكَارِ الْعَمَلِ بِالرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ عَلَى مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ صَادِرًا عَنِ الْجُهَّالِ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ رُتْبَةُ الِاجْتِهَادِ، وَمَا كَانَ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ، وَمَا لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ يَشْهَدُ لَهُ بِالِاعْتِبَارِ، وَمَا كَانَ عَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ وَمَا اسْتُعْمِلَ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا تَعَبَّدْنَا فِيهِ بِالْعِلْمِ دُونَ الظَّنِّ جَمْعًا بَيْنَ النَّقْلَيْنِ، هَذَا مِنْ جِهَةِ الْإِجْمَالِ.

وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ التَّفْصِيلِ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ: " أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إِذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِرَأْيِي " فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ لِكَوْنِهِ مُسْتَنِدًا إِلَى مَحْضِ السَّمْعِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَهْلِ اللُّغَةِ بِخِلَافِ الْفُرُوعِ الشَّرْعِيَّةِ.

وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ: " إِيَّاكُمْ وَأَصْحَابَ الرَّأْيِ " الْخَبَرُ إِلَى آخِرِهِ، فَإِنَّمَا قَصَدَ بِهِ ذَمَّ مَنْ تَرَكَ الْأَحَادِيثَ وَحَفِظَ مَا وَجَدَ مِنْهَا وَعَدَلَ إِلَى الرَّأْيِ مَعَ أَنَّ الْعَمَلَ بِهِ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ النُّصُوصِ.

وَقَوْلُهُ: (إِيَّاكُمْ وَالْمُكَايَلَةَ) أَيِ الْمُقَايَسَةَ، فَالْمُرَادُ بِهِ الْمُقَايَسَةُ الْبَاطِلَةُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ (١) فَإِنَّمَا يُفِيدُ أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنِ الْقِيَاسُ مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَإِلَّا فَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ وَاجِدًا لَهُ ; فَلَا.


(١) قَوْلُهُ لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - الصَّوَابُ قَوْلُهُ لِشُرَيْحٍ، وَنَصُّ الْأَثَرِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ يَسْأَلُهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ أَنِ اقْضِ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْضِ بِمَا قَضَى الصَّالِحُونَ فَإِنْ شِئْتَ فَتَقَدَّمْ وَإِنْ شِئْتَ فَتَأَخَّرْ وَلَا أَرَى التَّأَخُّرَ إِلَّا خَيْرًا لَكَ وَالسَّلَامُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>