للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُ عَلِيٍّ لِعُمَرَ فِي مَسْأَلَةِ الْجَنِينِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ اجْتِهَادٍ خَطَأٌ، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ الْخَطَأَ فِي بَعْضِ الِاجْتِهَادَاتِ كَمَا سَبَقَ تَعْرِيفُهُ.

وَأَمَّا قَوْلُ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ: " لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالْقِيَاسِ " الْخَبَرُ، فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ جَمِيعُ الدِّينِ بِالْقِيَاسِ، لَكَانَ الْمَسْحُ عَلَى بَاطِنِ الْخُفِّ أَوْلَى مِنْ ظَاهِرِهِ، وَيَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا أَتَتْ بِهِ السُّنَنُ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ.

وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ " إِنَّ اللَّهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ " الْخَبَرُ، لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ بِالْقِيَاسِ إِلَّا بِمَفْهُومِهِ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ.

وَقَوْلُهُ: (إِيَّاكُمْ وَالْمَقَايِيسَ) يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَقَايِيسِ الْفَاسِدَةِ كَالْمَقَايِيسِ الَّتِي عُبِدَتْ بِهَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا بَيَّنَاهُ لِمَا سَلَفَ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ النَّقْلَيْنِ.

وَقَوْلُهُ: " إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ فِي دِينِهِ بِرَأْيِهِ " يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الرَّأْيِ الْمُجَرَّدِ عَنِ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ لَهُ لِمَا سَبَقَ.

وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: " السُّنَّةُ مَا سَنَّهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَإِنَّمَا يَنْفَعُ أَنْ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ لَيْسَ مِمَّا سَنَّهُ الرَّسُولُ.

وَقَوْلُهُ: " لَا تَجْعَلُوا الرَّأْيَ سُنَّةً " أَرَادَ بِهِ الرَّأْيَ الَّذِي لَا اعْتِبَارَ لَهُ، وَإِلَّا فَالرَّأْيُ الْمُعْتَبَرُ مِنَ السُّنَّةِ لَا يَكُونُ خَارِجًا عَنِ السُّنَّةِ.

وَقَوْلُهُ: " إِنَّ قَوْمًا يُفْتُونَ بِآرَائِهِمُ " الْخَبَرُ، لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ أَفْتَى بِرَأْيِهِ يَكُونُ كَذَلِكَ، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّ بَعْضَ الْآرَاءِ بَاطِلٌ.

وَقَوْلُهُ: " اتَّهِمُوا الرَّأْيَ عَلَى الدِّينِ " غَايَتُهُ الدَّلَالَةُ عَلَى احْتِمَالِ الْخَطَأِ فِيهِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى إِبْطَالِهِ.

وَقَوْلُهُ: (وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) الْمُرَادُ بِهِ اسْتِعْمَالُ الظَّنِّ فِي مَوَاضِعِ الْيَقِينِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إِبْطَالُ الظَّنِّ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الْعَمَلِ بِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (١) .

وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: (إِذَا قُلْتُمْ فِي دِينِكُمْ بِالْقِيَاسِ. . .) الْخَبَرُ، يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْقِيَاسِ الْفَاسِدِ لِمَا سَبَقَ، وَقَوْلُهُ: " وَيَتَّخِذُ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا " إِلَى آخِرِهِ فَالْمُرَادُ


(١) أَوِ الْمُرَادُ الظَّنُّ الْمَحْضُ الَّذِي لَا يُرْشِدُ إِلَيْهِ دَلِيلٌ إِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ حَدْسٍ وَتَخْمِينٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>