للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعرف الناس قدره، كما ذكر ذلك الشيخ علوان الحموي في أول شرح تائية ابن حبيب. قلت: وحدثني بعض الصالحين الثقات أن السيد علي بن ميمون كان سبب رحلته من الغرب طلب لقي جماعة أمره بعض رجال المغرب بلقيهم، منهم ابن حبيب، وقال: إنه في بلدة من بلاد لشام بين جبال وآكام، فلما دخل ابن ميمون البلدان الشامية تطلب ابن حبيب في قرايا البقاع، ووادي التيم، وما والاهما حتى دخل قرية دربل، فوجدهما قريباً مما وصف له به بلدة بن حبيب، فلما دخل ابن ميمون دربل أحس به ابن حبيب وهو بصفد، وهنا لا يبعد على أولياء الله تعالى، فنظروا إلى ابن حبيب ذات يوم، وهو يحلق سبابة يده اليمنى في كف يده اليسرى، وهو يقول عند كل تحليقة: در دربل در درربل حتى حلق أربعين تحليقة، فكان ابن ميمون إذا أصبح كل يوم دار نواحي دربل يتصفح وجوه أهلها، ولا بغيته فيهم حتى دارها أربعين يوماً بعدد تحليقات ابن حبيب، ثم خرج ابن ميمون من دربل، وسافر حتى دخل بلدة صفد، فتنشق أنفاس ابن حبيب، فدخل عليه المكتب، فقعد ناحية، فأضافه الشيخ عبد القادر بن حبيب وأكرمه، ثم لما أطلق الأولاد قال لابن ميمون: يا رجل إني أريد أن أغلق باب المكتب، فنظر إليه سيدي علي بن ميمون أعبد القادر أما كفاك ما أتعبتني أربعين يوماً بقولك در دربل در دربل حتى تطردني الآن؟ فقال له ابن حبيب: يا أخي إذا كان كذلك فاسترني. قال: بل والله لأفضحنك وأشهرنك، فما زال سيدي علي بن ميمون - قدس الله سره - بابن حبيب حتى أشهره، وعرف الناس بمقداره حتى رمقوه بالأبصار، وشدت لزيارته الرحال من الأقطار، قال الشيخ علوان - رحمه الله تعالى -: هذا وهو متسبب بأسباب الخمول، متلبس بأمور لا تسلمها علماء النقول، ولا تسعها منهم العقول، إذا كان ممن أقيم في السماع، وكشف القناع، والضرب ببعض الآلات، والبسط والخلاعات، ثم اعتذر - رضي الله تعالى عنه - عن ضربه بالآلات بما هو مذكور في شرح التائية. وبالجملة، فكان ابن حبيب - رضي الله تعالى عنه - متستراً بالخلاعة والنفخ في المواصيل، والضرب على الدف على الإيقاع حيثما كان في الأسواق والمحافل كل ذلك لأجل التستر، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، ويظهر أمره حتى رسخ في النفوس أنه من كمل العارفين، وكان حيثما سمع الأذان وقف وأذن، وكان ربما مشى بدبوس إمام نائب صفد، وكان لا يمكن أحداً من تقبيل يده، وإنما يبادي للمصافحة، ويطوف على أهل السوق فيصافحهم في حوانيتهم واحداً واحداً، وكان يداعب الناس سمع قائلاً يقول الله تعالى: كريم. فقال: ليس كريم، فتعجب منه، فقال: ليس كريم أي لا يشبه ريماً، وهو الظبي ولا غيره لأنه ليس كمثله شيء. وقال مرة: عمري كذا كذا ألف سنة - بكسر

<<  <  ج: ص:  >  >>