الأجفان بمائها، وأستدعي الأحزان بالشّهير من أسمائها، وأستوهب الأشجان غمرة غمائها. ثم أتهالك تهالك المجنون، وأستجير من الحياة بريب المنون، وأنافر السّلوة «١» منافرة وسواس الظّنون، ولا عتب، فإذا خامر الواله جزعه، فإلى نصرة المدامع مفزعه»
، وإذا ضعف احتماله، فإلى غمرة الإغماء مآله، ومن قال: إنّ «٣» الصبر أولى، ولّيته من ذلك ما تولّى. أما أنا فأستعيد من هذا المقام وأستعفيه، وأنزّه نفس الوفاء عن الحلول فيه، فإنه متى بقي للصّبر مكان، ففي محلّ الحزن لقبول ما يقاومه إمكان، وقد خان الإخاء وجهل الوفاء، من رام قلبه السّلوّ، وألفت «٤» عينه الإغفاء. هو الخطب الذي نقى «٥» الهجود، وألزم أعين الثّقلين أن تجود «٦» ، وبه أعظم الدهر المصاب، وفيه أخطأ سهم المنيّة حين أصاب. فحقّنا أن نتجاوز الجيوب إلى القلوب «٧» ، وننقلب «٨» إذا غالبنا الحزن بصفقة «٩» المغلوب، وإذا كان الدهر السّالب فلا غضاضة على المستريح لأنه «١٠» المسلوب. أستغفر الله، فقد أتذكّر «١١» من مفقودنا، رضي الله عنه حكمه، وأشاهد «١٢» بعين البصيرة شيمه «١٣» ، فأجدهما يكفّان من واكف الدمع ديمه، ويقولان: الوله عند مماسة المصاب «١٤» ، ومزاحمة الأوصاب، أمر إن وقع، فقد ضرّ فوق ما نفع، فإنه لا ألم الحزن شفاه، ولا حقّ المصيبة وفّاه، ولا الذّاهب الفائت استرجعه وتلافاه، فربما جنحت إلى الصّبر لا رغبة فيه، بل إيثارا لمقصده وتشيّعا لتصافيه، فأستروح رائحة السّلو، وأنحطّ قاب قوسين «١٥» أو أدنى عن سدرة ذلك العلو، وأقف بمقام الدّهش بين معنى الحزن