وقد ضمّنا في نداه جنان ... به احتفل الحسن حتى كمل «١»
فأعرض عنّا لعذر «٢» الصّيام ... وما كلّ عذر له مستقلّ
فإنّ الجنان محلّ الجزاء ... وليس الجنان محلّ العمل
وعندما فرغنا من الطعام أنشدت الأبيات شيخنا أبا البركات، فقال «٣» : لو أنشدتنيها، وأنتم بعد لم تفرغوا منه «٤» لأكلت معكم، برّا بهذه الأبيات، والحوالة في ذلك على الله تعالى.
ولما «٥» قضى الله، عزّ وجلّ، بالإدالة، ورجعنا إلى أوطاننا من العدوة، واشتهر عني ما اشتهر من الانقباض عن الخدمة، والتّيه على السلطان والدولة «٦» ، والتّكبّر على أعلى رتب الخدمة، وتطارحت على السلطان في استنجاز وعد الرحلة، ورغبت في تفويت «٧» الذمّة، ونفرت عن الأندلس بالجملة، خاطبني بعد صدر بلغ من حسن الإشارة، وبراعة الاستهلال الغاية، بقوله:
«وإلى هذا يا سيدي، ومحلّ تعظيمي وإجلالي، أمتع الله تعالى الوجود بطول بقائكم! وضاعف في العزّ درجات ارتقائكم! فإنّه من الأمر الذي لم يغب عن رأي المقول «٨» ، ولا اختلف فيه أرباب المحسوس «٩» والمعقول؛ أنّكم بهذه الجزيرة شمس أفقها، وتاج مفرقها، وواسطة سلكها، وطراز ملكها، وقلادة نحرها، وفريدة دهرها «١٠» ، وعقد جيدها المنصوص، وكمال «١١» زينتها «١٢» على المعلوم والمخصوص «١٣» ؛ ثم أنتم مدار أفلاكها، وسرّ سياسة أملاكها، وترجمان بيانها، ولسان إحسانها، وطبيب مارستانها، والذي عليه عقد إدارتها، وبه قوام إمارتها؛ فلديه «١٤» يحلّ المشكل، وإليه يلجأ في الأمر المعضل؛ فلا غرو أن تتقيّد بكم الأسماع والأبصار، وتحدّق نحوكم الأذهان والأفكار؛ ويزجر عنكم السانح والبارح «١٥» ،