قالوا: ولمّا وقف عبد المؤمن على هذه الأبيات البليغة في معناها وغر صدره على وزيره الفاضل «١» أبي جعفر، وأسرّ له في نفسه تغيّرا، فكان ذلك من أسباب نكبته. وقيل: أفضى إليه بسرّ فأفشاه، وانتهى ذلك كله إلى أبي جعفر وهو بالأندلس، فقلق وعجّل بالانصراف «٢» إلى مرّاكش، فحجب عند قدومه، ثم قيد إلى المسجد في اليوم الثاني «٣» بعده، حاسر العمامة، واستحضر الناس على طبقاتهم، وقرّروا «٤» ما يعلمون من أمره، وما صار إليهم منه «٥» ، فأجاب كلّ بما اقتضاه هواه، فأمر «٦» بسجنه، ولفّ معه أخوه أبو عقيل عطية، وتوجّه عبد المؤمن في إثر ذلك زائرا إلى تربة المهدي «٧» ، فاستصحبهما منكوبين بحال ثقاف.
وصدرت عن أبي جعفر في هذه الحركة، من لطائف الأدب، نظما ونثرا في سبيل التوسّل بتربة إمامهم «٨» ، عجائب لم تجد «٩» ، مع نفوذ قدر الله فيه. ولما انصرف من وجهته أعادهما معه، قافلا إلى مراكش، فلما حاذى تاقمرت، أنفذ الأمر بقتلهما، بالشّعراء المتّصلة بالحصن على مقربة من الملّاحة هنالك، فمضيا لسبيلهما، رحمهما الله «١٠» .
شعره وكتابته: كان ممّا خاطب به الخليفة عبد المؤمن مستعطفا كما قلناه من رسالة:
«تالله لو أحاطت بي «١١» خطيئة، ولم تنفكّ نفسي عن الخيرات بطيئة، حتى سخرت بمن في الوجود، وأنفت لآدم من السجود، وقلت: إن الله لم يوح إلى «١٢» الفلك إلى نوح، وبريت لقرار «١٣» ثمود نبلا، وأبرمت لحطب نار الخليل حبلا، وحططت عن يونس شجرة اليقطين، وأوقدت مع هامان على الطين، وقبضت قبضة من الطّير «١٤» من أثر الرسول فنبذتها؛ وافتريت على العذراء البتول «١٥» فقذفتها؛ وكتبت صحيفة «١٦» القطيعة بدار الندوة، وظاهرت الأحزاب بالقصوى من العدوة،