وما هو إلّا الشّوق ثار كمينه ... فأذهل نفسا لم تبن عنده قصدا
وما بي إلّا أن سرى الركب موهنا ... وأعمل في رمل الحمى النّصّ والوخدا
وجاشت جنود الصّبر والبين والأسى ... لديّ فكان الصّبر أضعفها جندا
ورمت نهوضا واعتزمت مودّعا ... فصدّني المقدور عن وجهتي صدّا
رقيق بدت للمشترين عيوبه ... ولم تلتفت دعواه فاستوجب الرّدّا
تخلّف عنّي ركب طيبة عانيا ... أما آن للعاني المعنّى بأن يفدى؟
مخلّف سربي «١» قد أصيب جناحه ... وطرن فلم يسطع مراحا ولا مغدى
نشدتك يا ركب الحجاز، تضاءلت ... لك الأرض مهما استعرض السّهب وامتدّا
وجمّ لك المرعى وأذعنت الصّوى ... ولم تفتقد ظلّا ظليلا ولا وردا
إذا أنت شافهت الدّيار بطيبة ... وجئت بها القبر المقدّس واللّحدا
وآنست نورا من جناب محمد ... يجلّي القلوب الغلف «٢» والأعين الرّمدا
فنب عن بعيد الدار في ذلك الحمى ... وأذر به دمعا وعفّر به خدّا
وقل يا رسول الله عبد تقاصرت ... خطاه وأضحى من أحبّته فردا
ولم يستطع من بعد ما بعد المدى ... سوى لوعة تعتاد أو مدحة تهدى
تداركه يا غوث العباد برحمة ... فجودك ما أجدى وكفّك ما أندى
أجار بك الله العباد من الرّدى ... وبوّأهم ظلّا من الأمن ممتدّا
حمى دينك الدّنيا وأقطعك الرّضا ... وتوّجك العليا وألبسك الحمدا
وطهّر منك القلب لمّا استخصّه ... فجلّله نورا وأوسعه رشدا
دعاه فما ولّى هداه فما غوى ... سقاه فما يظما، جلاه فما يصدا
تقدّمت مختارا، تأخّرت مبعثا ... فقد شملت علياؤك القبل والبعدا
وعلّة هذا الكون أنت، وكلّ ما ... أعاد وأنت «٣» القصد فيه وما أبدى
وهل هو إلّا مظهر أنت سرّه ... ليمتاز في الخلق المكبّ من الأهدى
ففي عالم الأسرار ذاتك تجتلي ... ملامح نور لاح للطّور فانهدّا
وفي عالم الحسن «٤» اغتديت مبوّأ ... لتشفي من استشفى وتهدي من استهدى
فما كنت لولا أن ثبتّ «٥» هداية ... من الله مثل الخلق رسما ولا حدّا