وهل عندكم علم بصبري إنّني ... فقدت جميل الصّبر أوجع فقدان؟
يقولون: خفّض بعض ما بك من جوى ... يهون «١» على المرتاح ما لقي العاني
تضيق عليّ الأرض وهي فسيحة ... كما حال «٢» فوق الخصر معقد هيمان
وما يفتأ الشّوق المقيم بأضلعي ... إذا مرّ «٣» عن طوق الصّبابة أفناني
وليس مشيبا ما ترون بمفرقي ... ولكن خطوب جمّة ذات ألوان
وأرّق عينيّ الأسى يبعث الأسى ... مطوّقة نامت على غصن البان
لمن دمن يشكو العفاء رسومها ... كحظّ زبور في مصاحف رهبان
وقفت بها أذري النّجيع كأنما ... تقرّي وشكّ البين منّي بقربان
ديار الألى كانوا إذا أفق دجا ... كواكب يجلو نورها ليل أشجاني
هوت من سمائي بعد ما كنّ زينة ... ولهفي عليها من ثلاثة شهبان
رماني بيعقوب الزمان وبعده ... رماني بدرهام «٤» يا لك سهمان
وإن كان ما بين الخطوب تفاضل ... فلا نال فقدي أحمد «٥» بن سليمان
كفاني أن أدرجت محض مسرّتي ... وجملة أنسي بين لحد وأكفان
وو الله ما أنساني الدّهر أوّلا ... بثأر ولا أنسيت بالثّالث الشّان
تخوّنهم صرف الرّدى فتحرّموا ... كما انتثرت يوما قلادة عقيان
فمن سابق ولّى على إثر سابق ... كما استبقت غرّ الجياد بميدان
بنفسي من حيّيته فاستخفّ بي ... ولو أنه ردّ التحية أحياني
وعهدي به مهما دعوت وبينه ... وبيني العلى والنّيل والخيل لبّان
دنا منزلا منّي وشطّ مزاره ... فيا من لقلبي منه بالسّاخط الدّاني
ألا ليت عمري لم يفدني زمانه ... مودّة خلّ سار عنّي وخلّان
فلو شعرت نفسي فإنّي «٦» لشاعر ... به يوم أرداني لشمّرت أرداني
هو الموت يختار الخيار وينتقي ... جنى لبني الدّنيا كما يفعل الجاني