واعلم أنّ عدوّك من أتباعك من تناسيت حسن قرضه، أو زادت مؤونته على نصيبه منك وفرضه. فأصمت الحجج «١» ، وتوقّ اللّجج «٢» ، واسترب بالأمل، ولا يحملنك انتظام الأمور على الاستهانة بالعمل. ولا تحقّرنّ صغير الفساد، فيأخذ في الاستئساد. واحبس الألسنة عن التّحالي «٣» باغتيابك، والتّشبّث بأذيال ثيابك، فإنّ سوء الطّاعة ينتقل من الأعين الباصرة، إلى الألسن القاصرة، ثم إلى الأيدي المتناصرة. ولا تثق بنفسك في قتال عدوّ ناواك «٤» ، حتى تظفر بعدوّ غضبك وهواك. وليكن خوفك من سوء تدبيرك، أكثر من عدوّك السّاعي في تتبيرك «٥» . وإذا استنزلت ناجما «٦» ، أو أمنت ثائرا هاجما، فلا تقلّده البلد الذي فيه نجم، وهمى عارضه «٧» فيه وانسجم، يعظّم عليك القدح في اختيارك، والغضّ «٨» من إيثارك، واحترز من كيده في حوزك «٩» ومأمّك، فإنّك أكبر همّه وليس بأكبر همّك. وجمّل المملكة بتأمين الفلوات، وتسهيل الأقوات، وتجويد «١٠» ما يتعامل به من الصّرف في البياعات، وإجراء العوائد مع الأيام والسّاعات، ولا تبخس عيار قيم البضاعات، ولتكن يدك عن أموال الناس محجورة، وفي احترامها إلّا عن الثّلاثة مأجورة: مال من عدا طوره وطور «١١» أهله، وتجاوز «١٢» في الملابس والزّينة، وفضول المدينة، يروم معارضتك بحمله «١٣» ، ومن باطن أعداك، وأمن اعتداك، ومن أساء جوار رعيّتك بإخساره، وبذل الأذاية فيهم بيمينه ويساره. وأضرّ ما منيت به التّعادي بين عبدانك، أو في بلد من بلدانك، فسدّ فيه الباب، واسأل عن الأسباب، وانقلهم بوساطة أولي الألباب، إلى حالة الأحباب. ولا تطوّق الأعلام أطواق المنون، بهواجس الظّنون، فهو أمر لا يقف عند حدّ، ولا ينتهي إلى عدّ. واجعل ولدك في احتراسك، [وصدق مراسك]«١٤» ، حتى لا يطمع في افتراسك.